سياسة

مساعدات الإمارات لباكستان ورسائلها الدبلوماسية البليغة

د. طارق فهمي


نجحت السياسة الخارجية الإماراتية في حجز موقع متقدم لها في النطاقين الإقليمي والدولي.

وقد تأتَّى ذلك من خلال دور هذه السياسة اللافت في التعامل مع دوائر الاهتمام والتأثير التي توليها لأجندة وقضايا العالم، ما يضع هذه السياسة الخارجية النشطة في موقعها السياسي والتنموي والإنساني اللائق بها.. فقد نجحت في اكتساب تقدير واحترام الجميع، بدليل ما طرحته هذه السياسة، عبر حضورها الدبلوماسي في مجلس الأمن من خلال تمثيلها غير الدائم به، وبرز ذلك في أداء الإمارات دور مهم في التفاعل مع القضايا محل الاهتمام العالمي.

والواقع أن الخارجية الإماراتية حققت في الفترات الأخيرة وجودًا كبيرًا وتأثيرًا مباشرًا، بل ونجحت بمهارة في استحداث دوائر جديدة خارج النطاقات التقليدية، وقد اتضح ذلك بفضل توجيهات رئيس دولة الإمارات، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي لم يتوقف عند مجالات التفاعل التقليدية في السياسات الخارجية، التي أرسى دعائمها المغفور له بإذن الله مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وبكل ما في حكمته من موروث إنساني وسياسي واقتصادي، وهو ما أعطى السياسة الخارجية الإماراتية حضورًا وأهمية في الإقليم وخارجه.

وعبر مقاربات غير مسبوقة في التعامل مع دول الإقليم، ومع الأشقاء العرب، وفي النطاقات الدولية، لم تتأخر دولة الإمارات عن تقديم التسهيلات والخدمات وأعمال الإغاثة لدول متعددة، سواء كان ذلك في السودان ودول الجنوب على وجه الخصوص، أو أي منطقة أخرى منكوبة في عالمنا، إذ دعا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لتقديم المساعدات لباكستان مؤخرًا، إثر تعرضها لمخاطر طبيعية مفاجئة، فكانت تعليمات سموه بسرعة تقديم المساعدات للشعب الباكستاني في محنته، بل ووضع كل الإمكانات وتقديم مساعدات إغاثية عاجلة لدعم باكستان، التي تشهد عدة أقاليم بها سيولا وفيضانات أسفرت عن عدد كبير من الوَفَيات والمصابين، فضلا عن عمليات نزوح ضخمة.. كما أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بتقديم جميع الخدمات الإغاثية الإنسانية إلى النازحين من المناطق، التي شهدت السيول والفيضانات، لتعزيز قدرتهم على التغلب على التحديات التي يواجهونها.

وشملت المساعدات الإغاثية من دولة الإمارات نحو ثلاثة آلاف طن من الإمدادات الغذائية، فضلا عن أطنان من المستلزمات الطبية والدوائية وخيام لإيواء المتضررين.

كما قدّمت الفرق الإغاثية الإماراتية أيضًا جميع أنواع الدعم الإنساني إلى الكوادر والمؤسسات الباكستانية المعنية بجهود تأمين سلامة المتضررين واحتياجاتهم الغذائية والطبية واللوجستية.

وسيّرت وزارة الدفاع الإماراتية جسرًا جويًّا لنقل المساعدات الإنسانية المقدمة إلى باكستان.

كذلك أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتقديم سلسة تسهيلات وأعمال دعم مباشر، ووصلت المساعدات العاجلة بقيمة 50 مليون درهم لإغاثة المتضررين من الفيضانات في باكستان.. فضلا عن توفير المساعدات الإغاثية، التي تولت “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية” تقديمها، لدعم المتضررين من الفيضانات، التي تأثر بها الشعب الباكستاني.

من المعلوم أن المساعدات التي تقدمها المبادرات بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي و”مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية”، ستكون بصيغة دعم غذائي مباشر للأسر والأفراد، الذين تأثروا بتداعيات الفيضانات، التي ذهب ضحيتها أكثر من 1136 شخصًا، وتسببت في نزوح الملايين عن منازلهم، وتدمير أكثر من 3450 كيلومترًا من الطرق الحيوية، وعزل قرى بأكملها، وهذا ليس غريبًا على مواقف وتوجهات قيادة دولة الإمارات، التي تتميز دبلوماسيتها بالرشادة والحنكة، وبناء جسور من التواصل مع شعوب الدول الشقيقة والصديقة، تأسيًا بتقاليد ومرتكزات راسخة يعمل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، على تكريسها، بل وتطوير أسسها دائمًا، وهو ما يؤكد ويعمّق فكرة الدولة الكبيرة في نطاقها، والتي تتعدد وسائل تعاملاتها وأدواتها دائمًا، وهو ما يعطي الدلالات والمعاني لدبلوماسية رائدة، ووفق سياسة خارجية حكيمة بُنيت على معطيات راسخة وممارسات لدور فاعل ومؤثر، وبناء يقوم على تحقيق المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة والانتقال بالسياسة الخارجية في دوائر محددة لآفاق عدة ترتكز على وسائل مستحدثة، بما سيكون له من أثر طيب لدى الشعوب، والدول التي ترتبط بها دولة الإمارات في دوائر متعددة.

ولهذا ليس غريبًا أن توصف السياسة الخارجية الإماراتية بأنها “سياسة منضبطة ورشيدة” تؤكد ما قطعته دولة الإمارات من خطوات وأدوار مفصلية وحقيقية في المنظومتين الإقليمية والدولية، وقد تجاوز ذلك الدور الإماراتي الرائد في نطاقه النماذج التقليدية والمعتادة في دراسات النظم السياسية، التي لا تزال أسيرة الحسابات الضيقة والدوائر المحددة، وهو ما يؤكد أننا أمام تحولات حقيقية في وسائل الدعم وتقديم المساعدات وأعمال الإغاثة لباكستان أو السودان، والتي تتجاوز النمط التقليدي لبناء جسور حقيقية مع شعوب ودول العالم عبر مؤسسات ومراكز وصناديق دعم متعددة وبرامج ممتدة تعمل عبر مقاربات مخطط لها جيدًا، وسلسلة من المشروعات والأطر الداعمة، سواء في دول الجنوب الأفريقي، وفي مناطق متعددة في آسيا، أو في مناطق الأزمات والصراعات، وقد تأتَّى ذلك عبر نموذج تنموي مخطط بعناية.

في هذا الإطار من ممارسات السياسة الخارجية الرشيدة، جاء الدعم الإماراتي الأخير لباكستان، ليفسر عن قرب مساحات التفاعل الحقيقي مع الأزمة الإنسانية التي تعيشها باكستان، وتطلبت تدخلا حقيقيا وسريعًا، وهو ما برز في تنفيذ توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في إشارات لا تغيب عن التحليل بأن دولة الإمارات تعمل إلى جوار الأشقاء والأصدقاء، ولا تتوانى عن تقديم أي مساعدات في لحظات الخطر لأي دولة، ودونما تمييز، الأمر الذي أكسب السياسة الخارجية الإماراتية وأدواتها النشطة أهمية إقليمية ودولية كبيرة، في ظل تصاعد مساحات التوتر في العالم الراهن، واستمرار حالة الأزمة والانقسام الدولي، التي خلفتها الأزمة الأوكرانية الروسية، وارتداداتها التي شملت دولا وبقاعًا عدة في العالم.

إن حضور دولة الإمارات في دعم باكستان والسودان، وعشرات الدول الأخرى، يؤكد بالفعل أن السياسة الخارجية الإماراتية تتحرك عبر وسائل متعددة، وتكفي الإشارة إلى حجم المساعدات، التي قدمتها دولة الإمارات لدول العالم وسط اشتداد أزمة كورونا وتداعياتها المكلفة، ما يؤكد الدور الإنساني للسياسة الخارجية الإماراتية على مستوى العالم أجمع، بدليل أن دولة الإمارات كانت من أوائل الدول الداعمة للمبادرات الإنسانية خلال جائحة كوفيد-19، حيث شكّلت المساعدات التي قدّمتها 80% من حجم الاستجابة الدولية للدول المتضررة خلال الجائحة، والتي شملت عشرات الدول، ومنها السودان، وغينيا كوناكري، وموريتانيا، وسيراليون، ولبنان، وتجهيز عيادة متنقلة في تركمانستان، كما تم أيضًا التبرع بـ10 ملايين دولار كمساعدات عينية من دولة الإمارات إلى منظمة الصحة العالمية.

في المجمل، فإن دولة الإمارات تقف في مصاف الدول الكبرى، التي تعمل من أجل دعم “الإنسان العالمي” دون تمييز، ومن خلال مقاربات واقعية وعملية تؤكد جدارة السياسة الخارجية الإماراتية في تحقيق حضور دولي راقٍ، بما يخدم بالأساس استقرار العالم وسلامته وأمنه.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى