سياسة

كأس العالم ببطل عربي.. الحلم يبدأ الآن

علي الصراف


يوما ما سوف يحمل فريق عربي كأس العالم لكرة القدم. هذا ما أثبته المنتخب المغربي من المربع الذهبي.

الحلم يبدأ الآن. خسر المنتخب المغربي مباراته الأخيرة وهو بين الأربعة الكبار. هذه ليست خسارة لفريق لم تذهب التوقعات به إلى أن يصل إلى هذا المربع. الكل رأى كيف أنه كان من الممكن أن يحقق أكثر مما تحقق. ضربة رأس أخيرة في الدقيقة الأخيرة كان من الممكن أن تقلب النتيجة. ولكن الذين لم يحالفهم الحظ حالفتهم الإرادة. أظهروا أنهم لاعبون قادرون على منافسة أكبر الفرق. وهم أنفسهم أخرجوا من المونديال فرقا، إن لم تكن مؤهلة للفوز بكأس العالم نفسه، فقد كانت مؤهلة للمربع الذي تربعوا هم فيه. المنتخبان البرتغالي والإسباني كانا من بين أبزر المرشحين.

بالفوز على الأرجنتين، أثبت المنتخب السعودي أنه قادر على أن يشق الطريق إلى نهايته أيضا. وما كان غير متوقع أصبح متوقعا ومحتملا وممكنا للمرة الأولى في تاريخ كرة القدم.

هناك الآن مَنْ يتحدث عن أن كرة القدم لم تعد احتكارا أوروبيا ينافس منتخبات أمريكا اللاتينية، وأن هناك “انزياحا تاريخيا” يدفع بالبطولات إلى خارج القارة الأوروبية.

الحقيقة هي أن هناك انزياحات اقتصادية واستراتيجية تحدث في المنطقة العربية هي التي تبرر كل الانزياحات الأخرى، فتدفع بمجرى المتغيرات لتجري لصالحها.

الخطوات العملاقة التي تتحقق في السعودية برؤية 2030، ونظيرتها الإماراتية باستراتيجية الخمسين، تقولان إن هناك أشياء عظيمة تحدث في هذه المنطقة. وبينما تغرق أوروبا بظلام الحرب، لهذا السبب أو ذاك، بهذه الخطيئة أو تلك، فإن هذه المنطقة تنأى بنفسها عن الأزمات وتحاول أن تعيد بناء قدراتها لكي تستشرف أواسط ونهايات هذا القرن.

خيار “تصفير المشكلات” الإماراتي والانشغال العميق بتطلعات التنمية والرفاهية والاستقرار الاجتماعي، يضعان هذا البلد على عتبة حلمٍ قابلٍ للتحقيق.

وهي سياسة سرعان ما أصابت بشذى معناها المنطقة بأسرها. ما من أحد إلا ويأخذ بالمنحى التنموي الذي حوّل السعودية والإمارات إلى قوتين اقتصاديتين كبيرتين. وهما لا يريدان شيئا يحول دون أن يحققا ما يتطلعان إلى تحقيقه.

القيادة الرشيدة، التي تنهض بمسؤولياتها، ليست رشيدة في مسالك “الحوكمة” فقط. إنها رشيدة أيضا بأن أصبحت قيادة مثقفة، حكيمة، تصغي وتقرأ وتبحث عن الأفضل.

هذا منعطف يجدر بالإنصاف أن يلاحظ أنه بدأ من قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، منذ أن كان وليا للعهد، ومثله إنما تجسد في الدور التاريخي الذي يلعبه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود. شابان يغزلان نسيجا لحلمٍ بخيوط الفكر والعمل، كان هو نفسه قبل عقدين من الزمن، غير متوقع فأصبح بإرادتهما الصلبة منعطفا جاذبا يستجمع الإمكانيات ويستقطب الأحلام المتحققة.

لم يعد من العجيب ولا الاستثنائي ولا غير المتوقع أن تدخل المنطقة العربية في رحاب جاذبية تنموية لتدور كواكبها حول رؤية ناضجة تُخاض فصولها بقلب حار وعقل حكيم.

كل شيء أصبح ممكنا. فلماذا لا يكون ممكنا أن يرفع منتخب عربي كأس العالم لكرة القدم؟ لماذا، وقد شقت دولة الإمارات الطريق إلى المريخ، لا يكون ممكنا أن تشق عقول شبابنا ومهاراتهم الطريق إلى عالم الإبداع والابتكار والفن والرياضة؟

أنس جابر، لاعبة التنس التونسية، المصنفة الثانية عالميا، وسط قائمة أبطال وأساطير، نسجت أسطورتها الخاصة، بما يكفي للقول إنها أصبحت تحديا ثابتا، وأن أخريات وأخريات سوف يقتفين أثرها.

ولا شيء مستحيل بعد الآن.

كل ما فعله المنتخب المغربي لكرة القدم هو أنه أيقظ الأحلام. قال إن الارتقاء إلى أعلى المراتب قد يتطلب مزيدًا من المهارات والثقة بالنفس، لكن ما توفر من الإرادة كان كافيا ليقدم صورة أخرى ليوم سوف يأتي عاجلا لا آجلا.

المنتخبات العربية لن تؤخذ بعين الاستسهال بعد اليوم. وأسماء اللاعبين، الذين لم نكن نعرفهم من قبل، صارت نجوما تتلألأ في سماوات الذاكرة. زياش وحكيمي وبوفال وبونو وغيرهم، نحتوا أسماءهم في قائمة الصف الأول.

ولا شيء أوضح من حقيقة أننا، بعد هذا الإنجاز الكروي، أصبحنا في عالم آخر، عالم يحق له أن يحلم.

واليوم الذي نحمل فيه كؤوس التفوق، لم يعد بعيدا.

ألا شكرا لكل مَنْ صنعوا هذه الفرصة. ألا شكرا لكل مَنْ التقطوا المنعطف، وأمسكوا بشعلة النور، ليضيئوا يوما آخر للحياة الحرة والكريمة، يومًا يتسابق فيه أبطالنا كما يتسابق الواقعُ مع المعجزة، فيسبقها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى