يتساءل كثيرون عن سبب تفوق الإمارات في نموذجها التنموي مقارنةً بدول تتمتع بصفات وإمكانيات تفوق ما تتمتع به دولة الإمارات، ولكنها لا تستطيع أن تجاري ما حققته هذه الدولة الصغيرة في الحجم من إنجازات كبيرة تفوق ما يدور في دول المنطقة وما وراءها.
فالمؤشرات العالمية دائمًا ما تضع دولة الإمارات في مقدمة قائمة الدول العربية والشرق أوسطية في مختلف مجالات التنمية، فما السرّ وراء ذلك؟
تشير لنا أدبيات علم السياسة إلى أن هناك العديد من الصفات الرئيسية للدول الناجحة والمتفوقة في العالم، وعندما نجمع تلك الصفات، فإننا نستطيع أن نلحظ بشكل كبير أنها موجودة وبشكل ملحوظ في الحالة الإماراتية، ولعل أهم صفة من صفات تفوق الدول هو وجود طموح ورغبة لما تريد الوصول إليه.
والدولة الطامحة هي دولة أكثر تقدمًا وتطورًا من غيرها، ودولة الإمارات تُعدّ أكثر دول الشرق الأوسط طموحًا فيما تسعى إلى تحقيقه، والوصول إليه، فالطموح يبني لك استراتيجية للمستقبل، تُبنى عليها سياساتٌ وخطط وبرامج حالية تمثل برنامج عمل لسير الحكومة، من أجل الوصول إلى ذلك الطموح.
وهذه الخطط تعكس رغبة الدولة فيما تريد أن تكون عليه في الداخل، وما تصبو إلى تحقيقه في الخارج، فهي بمنزلة المرشد العام لعمل الدولة داخليًّا وخارجيًّا.
ولا نبالغ إذا ما قلنا إن دولة الإمارات متميزة في هذا الأمر، فقد أصبحت -بفضل وجود قيادة سياسية طامحة- قادرة على أن تبنيَ فكرًا طموحًا يؤمن به المجتمع وتصبو إليه الدولة داخليًّا وخارجيًّا.
وهذا أمر غاية في الأهمية، إذ لا يمكن أن تعزل الطموح بعيدًا عن أفراد المجتمع الذين يجب أن يكونوا جزءًا أصيلًا منه، ويتفاعلوا معه، ويتعاملوا من خلاله، من أجل جعل الطموح برنامجًا وطنيًّا يأخذ به الجميع باقتناع وإدراك، فالطموح يخلق ثقافة جديدة في المجتمع تنقل أفراده من تفكيرهم التقليدي إلى تفكير جديد، يحدد رغباتهم وآمالهم في المستقبل الذي يريدون الوصول إليه.
وهذا الطموح هو الذي جعل دولة الإمارات تخرج من بوتقة الفكر التقليدي إلى الفكر الأكثر حداثة وتطورًا، ما ميّزها من غيرها في الإقليم، فما كان لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تتشكل من لا شيء، وأن تصبح كل شيء، من حيث الأمن والاستقرار والنجاح والتفوق والتقدم، لولا الطموح الذي حمله الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، إذ إن طموحه هو الذي حقق المستحيل، وأسس لثقافة جديدة في المجتمع قوامها الدعم الكامل للاتحاد، لكونه هو المستقبل في ظل بيئة إقليمية لم تعكس ما يمكن أن يساعد على تحقيق الوحدة آنذاك.
وما كان لدبي أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من بين أفضل مدن العالم، لولا طموح آمنت به القيادة السياسية، وتبناه أفراد المجتمع، ليخلقوا دبي الرائعة والاستثنائية.
وما كان للمرأة الإماراتية والشباب الإماراتي أن يكونا حاضرَين وبشكل قوي جزءًا من منظومة عمل الدولة، لولا الطموح الذي حملته القيادة لدور أكبر للمرأة والشباب، وأصبح هذا الطموح ثقافة مجتمعية تتجذر في فكره الجديد.
وما كان لشاب إماراتي أن يصل إلى الفضاء، لولا الطموح الذي خلق ثقافة جديدة في المجتمع تعزز روح الاستكشاف، وسبر الفضاء، وفتح آفاق جديدة من التطلعات والآمال.
وما كان للإمارات أن تصبو دائمًا إلى المركز الأول في مختلف المجالات، لولا وجود طموح للتفوق يتعزز في ثقافة المجتمع.
وما كان … وما كان …، فقصة الطموح والتفوق الإماراتية لا تنتهي.
وما يميز طموح دولة الإمارات هو أنه طموح تنموي ومتزن، وهذا عنصر مهم لنجاحه، فطموح الإمارات طموح تنموي يعكس مجالات التعليم والصحة والاقتصاد والأمن والسياسة، وليس طموحًا مرتكزًا على جانب معين من دون الآخر، أو يسعى إلى تقوية ذاته في جانب معين يسعى من خلاله إلى فرض الهيمنة على الآخرين.. فهذا الطموح المتشدد ليس في قاموس الطموح الإماراتي، الأمر الذي يجعل طموح الإمارات ناجحًا في تحقيق هدفه.
إن إدراك القيادة الإماراتية أهمية الطموح في تحقيق التقدم يعكس بالفعل رُشدًا كبيرًا في عملية قيادة الدولة، فالطموح هو المرتكز الأول نحو تحقيق النجاح والتقدم والتفوق بين دول العالم، وغيابه ينعكس على مكانة الدولة ونجاحها.. وهذا ما يفسر لنا سر نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة وتفوقها، فهي بحق أكبر دولة طموحة بين دول الشرق الأوسط.
نقلا عن “مفكرو الإمارات”