وسط تفاقم الخلافات بين أمريكا وتركيا، يلتقي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره التركي، على هامش قمة المناخ في جلاسكو.
لقاء وصفه محللون أتراك بـ”الحاسم”، سواء من جهة التوصل إلى تفاهمات ممكنة لترميم هذه العلاقة، أو الانتقال إلى مرحلة جديدة، يمكن وصفها بمرحلة “نهاية التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة”، بعد أن ذهبت الأخيرة بعيدا في تحدي الإدارة الأمريكية، وسط تأزم الخلافات بينهما في العديد من الملفات الإشكالية.
وسبق أن وجّه الرئيس التركي انتقادات شديدة لإدارة “بايدن”، وللمستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين الجانبين.
واستبق إبراهيم قالين، المتحدث باسم الرئيس التركي، بوضع ثلاث أولويات لتركيا من ذلك اللقاء، لخّصها في إعادة بلاده إلى برنامج طائرات المقاتلة الأمريكية “إف-35″، ووقف الدعم الأمريكي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، والتجاوب مع مطلب تركيا بتسليم قادة جماعة “الخدمة” المقيمين في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم زعيمها فتح الله جولن.
مَن يقرأ هذه الأولويات التركية لا بد أن يجد أفقا مسدودا للعلاقات التركية-الأمريكية، فواشنطن سبق أن أعلنت مرارا أن لا عودة تركية إلى برنامج طائرات المقاتلة “إف-35” ما دامت تركيا تتمسك بالاستمرار في اقتناء المنظومة الدفاعية الصاروخية الروسية “إس-400″، كما قالت مرارا إنه لا تغيير في قضية “جولن” على اعتبار أنها قضية قضائية قانونية وليست سياسية، كذلك لا تغيير في قضية الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، حيث قرر “بايدن” استمرار العمل بحالة الطوارئ الوطنية الخاصة بشمال شرق سوريا من خلال إشعار أرسله للكونجرس بهذا الخصوص، لكن هذه السياسة الأمريكية المعلنة لم تغير أمل تركيا في فتح صفحة جديدة عبر تقديم عروض أخرى للإدارة الأمريكية، ولعل آخر هذه العروض كان طلب تركيا شراء 40 طائرة مقاتلة أمريكية من نوع “إف-16″، وتحديث الأسطول التركي من هذه الطائرات، وهو مقترح أشبه بالمقترح الذي قدمه الرئيس التركي لـ”بايدن” خلال لقائهما على هامش قمة حلف الأطلسي في بروكسل في يونيو الماضي، بخصوص تأمين تركيا مطار “حامد كرازي” في العاصمة الأفغانية، قبل أن تتجاوز التطورات الميدانية هذا المقترح بسيطرة حركة “طالبان” على كامل أفغانستان، الأمر الذي جعل المقترح التركي من الماضي.
في الواقع، صعوبة لقاء “بايدن” بالرئيس التركي لا تنبع من كثرة الملفات الخلافية بين البلدين، أو من السلبية في العلاقة الشخصية بين الرجلين، خلافا لما كانت عليه العلاقة مع “ترامب”، بل من التناقضات الاستراتيجية، التي بدأت تتعمق بينهما، وتشرخ هذه العلاقة يوما بعد آخر، فواشنطن أولويتها المنافسة التجارية مع الصين، والحرب الصامتة الجارية بينها وبين كل من الصين وروسيا، وهنا لم تعد ترى في تركيا تلك الحليفة المنخرطة في أجندة الحلف الأطلسي وسياساته، بل باتت ترى فيها اللاعب الذي يشاغب على ضفاف خططها، خاصة في ظل التلويح التركي الدائم بالذهاب بعيدا في العلاقة مع روسيا، إذ كلما نشب خلاف بينهما على التسليح التركي من روسيا، وتريثت واشنطن في بيع أسلحة نوعية لأنقرة، لوّحت الأخيرة بشراء مزيد من الأسلحة الروسية، كما هو حال إعلان رغبتها مرارا في شراء طائرات مقاتلة روسية من نوع “إس يو 57” و”إس يو 35″، على شكل تهديد للولايات المتحدة ما لم تستجب الأخيرة للطلبات التركية.
ولعل ما يزيد حدة الخلافات بين الجانبين تلك اللهجة التركية الحادة في التعامل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة وحلفائها، كالموقف الأخير الذي أبلغ فيه الرئيس التركي وزير خارجيته اعتبار سفراء 10 دول، بينها الولايات المتحدة، غير مرغوب فيهم، على خلفية بيان أصدروه بشأن قضية الناشط التركي، عثمان كافالا، قبل أن يتراجع الرئيس التركي عن قرار طرد هؤلاء السفراء.
هذه القضايا الخلافية وغيرها ستفرض نفسها على طاولة لقاء الرئيسين الأمريكي والتركي عندما يلتقيان وجها لوجه، وإذا كان اللقاء تعبيرا عن رغبة الطرفين في محاولة احتواء هذه الخلافات، فإن لا شيء يوحي بذلك في ظل المواقف المسبقة للطرفين، وكثرة الملفات الخلافية بينهما، فماذا لو تمسك كل طرف بمواقفه السابقة؟
سؤال ربما تضعنا الإجابة عنه أمام حقيقة نهاية التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة، إن لم تحدث مفاجأة خلال اللقاء.. لحظة حاسمة في لقاء حاسم، فربما تُوجَّه الأنظار بعد اليوم إلى الداخل التركي على وقع الانهيار المتسارع لليرة التركية أمام الدولار.