أثارت زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق قبل أيام ضجة إعلامية وسياسية في كل الاتجاهات.
- لماذا تستهدف قطر الإمارات باتهامات التجسس؟
- الإمارات ومصر .. شراكة استراتيجية ورؤية استباقية وطموحٌ مشترك
ومع أن الزيارة جاءت في سياق تطور العلاقات الإماراتية-السورية منذ إعادة افتتاح سفارة الإمارات في دمشق أواخر 2018، وكذلك في إطار جهود انفتاح معظم الدول العربية على سوريا والسعي لإعادتها إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، فإن الزيارة قوبلت بحملات تشويه كبيرة، من أطراف ووسائل إعلام محسوبة على جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، وداعميها.
ما الذي احتوته هذه الحملات؟ وما الذي ساقته من مزاعم حول الزيارة؟ وهل تعبر هذه المزاعم والحجج عن فهم حقيقي لاستراتيجية دولة الإمارات أم أنها تكشف قصورا، إن لم نقل عداء وانزعاجا، من الدور الحيوي للإمارات؟
وقفة قصيرة مع الحجج، التي ساقتها هذه الحملات، تضعنا أمام جملة اتهامات باطلة تصل إلى حدود الخيال والتشويه، ولعل من أهم هذه الاتهامات:
1-الزعم بأن الزيارة كانت بتنسيق مع إسرائيل، وذلك في إطار خطاب أيديولوجي يقوم على التعبئة وتشويه الخصوم أو المختلفين سياسيا مع أصحاب هذا الخطاب العقيم، علما بأن الإمارات، التي وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل قبل نحو سنتين، تنتهج دبلوماسية شجاعة من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في عموم المنطقة، في إطار استراتيجية معلنة تقوم على التعاون وبلورة واقع إقليمي عربي جديد يحصّنه من المخاطر والتحديات في مواجهات الأزمات الكثيرة.
- من يقف وراء ترويج ادعاءات تجسس الإمارات على صحفيين وأفراد؟
- مصادر: قطر مستاءة من تجاهل الإدارة الأمريكية لها فيما يخص سوريا والسودان
2-القول بأن الزيارة جاءت بضوء أمريكي أخضر، وذلك في تجاهل واضح لمسيرة التطور الكبير في العلاقات الإماراتية-السورية، وللوعي العربي الرسمي والشعبي بضرورة إطلاق مبادرات شجاعة لترميم البيت العربي عبر إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ولعل لسان حال السياسة العربية بات يقول: لقد حان وقت إعادة سوريا إلى الحضن العربي، خاصة بعد أن استغلت قوى إقليمية الغياب العربي عن هذه الأزمة بتعزيز تدخلهما ونفوذهما في الساحة السورية إلى درجة تشكيل خطر حقيقي على مستقبل سوريا الدولة والكيان والعلاقة مع عمقها العربي، والغريب أن الذين ساقوا هذه الحجة تجاهلوا الموقف الأمريكي من هذه الزيارة، التي تكمن هنا بالضبط أهميتها لجهة شجاعة الموقف، الذي شكّل مبادرة جريئة في توقيت حساس جدا.
3-تسويق اتهامات بأن الزيارة بمثابة موافقة ضمنية على نهج الحكومة السورية.. فإن هذا دون شك اتهام يفتقر إلى أدنى فهم حقيقي لسياسة الإمارات تجاه الأزمة السورية وغيرها من الأزمات الجارية في عدد من الدول العربية، كليبيا واليمن والعراق ولبنان.. فضلا عن أنه يغيب عن ذهن هؤلاء أن الإمارات دولة عربية، ولها استراتيجية تقوم على دعم الأمن القومي العربي، وترى أن حل النزاعات الجارية غير ممكن إلا من خلال خطوات سياسية، وأنه لم يعد من المقبول أن تقف الدول العربية، لا سيما الفاعلة منها، في مكانها تتفرج على الدمار الذي يجري هنا وهناك على حساب الأمن القومي العربي، الذي بات مهددا بحكم التدخلات الإقليمية، التي وصلت في بعض المناطق إلى درجة الاحتلال، كحال الوجود العسكري التركي في شمال سوريا وشرقها.
الأهم هنا، هل سأل أصحاب هذه الاتهامات: إلى متى يمكن استمرار الأزمة السورية على النحو القديم؟ وما ثمن ذلك؟ وماذا عن مخاطر الاستمرار بعد عقد من القتل والدمار؟
الجواب ببساطة هو “الدخول إلى المجهول”، وهنا تكمن أهمية ما تقوم به الدبلوماسية الإماراتية، التي تقول باختصار إنه لم يعد من المقبول ترك سوريا وحدها، إذ ينبغي التحرك من أجل استعادة سوريا استقرارها، وصولا إلى حل سياسي تدريجي يحقق للسوريين آمالهم في العيش بسلام، وغير ذلك يعني الاستمرار في الحرب لصالح أجندات قوى إقليمية على حساب دماء السوريين ولقمة عيشهم ومواجهة تحديات الحياة، التي باتت صعبة على الجميع.
دون شك، تسويق الاتهامات السابقة من قِبل تيارات مغرضة وداعميها، ليس ناتجا عن سوء فهم أو سوء تقدير، بقدر ما هو تجسيد لسياسة الحرب المستمرة في سوريا، ومحاولة استغلالها إلى أقصى حد، لصالح أجندات متورطة في هذه الأزمة، تطلعا إلى تحقيق مشاريعها التوسعية على حساب سوريا ومعها الدول العربية.