قرار إعادة “السفير”

محمد فيصل الدوسري


دبلوماسية الإمارات ترسخ توجهاتها عبر تحركات إقليمية ودولية متزنة، ومثالا على ذلك، أعادت الإمارات سفيرها إلى إيران بعد نحو 6 سنوات من سحبه.

هذا الأمر قد تمهّدت له أجواء إيجابية في سبيل تطوير العلاقات بين البلدين، عبر لقاءات كان أهمها زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى طهران في ديسمبر 2021، حيث التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، فضلا عن الاتصالات الرسمية، التي وصلت إلى 7 مباحثات هاتفية خلال العام الماضي، كان أبرزها الاتصال الهاتفي الذي تلقاه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بتاريخ 26 يوليو 2022، والذي أسفر عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي.

تزامن قرار دولة الإمارات إعادة سفيرها إلى إيران مع أنباء وصول المفاوضات بشأن الاتفاق النووي إلى “المسودة شبه النهائية”، في توقيت موفق ينسجم مع التوجه الخليجي، بعد أن أعادت الكويت سفيرها إلى إيران، وفي ظل وجود قنوات تواصل بين السعودية وإيران عبر العراق، لبحث القضايا العالقة.

كل ذلك ينطلق من سياسة “مد الجسور الإماراتية” الهادفة لخفض التصعيد وتصفير الأزمات، عبر إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، والعمل على خلق المُناخ المناسب للتعاون والتنسيق على الأصعدة كافة لدعم الأمن والاستقرار، ما يتلاءم مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والتي طرحها في خطابه الرسمي الأول منذ توليه مقاليد الحكم في مايو الماضي، حين أكد الاستمرار “في نهج دولة الإمارات الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوازنة، القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل مع دول العالم”.

تميزت الخطوات الإماراتية في سحبها السفير وإعادته بتوازنها، حيث جاءت وفقًا لإطار علاقات دولة الإمارات الطبيعية مع محيطها الخليجي والتزامها الدولي، فعند سحب السفير حرصت الإمارات على مبدأ حماية البعثات الدبلوماسية، ومن هذا المنطلق تضامنت مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، جراء تعرض سفارة وقنصلية المملكة في إيران لاعتداءات مرفوضة، وعندما تهيأت الأرضية المناسبة لتنامي العلاقات، وتبلور المُناخ الإيجابي في المنطقة نحو تحسين العلاقات، وباتت قنوات التواصل مفتوحة بين الدول العربية والخليجية المحورية وإيران، أعادت الإمارات سفيرها إلى طهران، ما يعكس ديناميكية السياسة الإماراتية الفاعلة، التي تولي نسيجها الخليجي العربي الأولوية عند اتخاذ القرارات، مع الأخذ في الاعتبار الأمن والاستقرار الإقليمي وازدهار شعوب المنطقة كافة.

ترجم قرار القيادة الإماراتية بشكل عملي “مبادئ الخمسين”، التي اعتمدتها دولة الإمارات لتكون بمثابة خارطة الطريق الاستراتيجية للخمسين عامًا المقبلة، تحديدًا المبادئ المرتبطة بالسياسة الخارجية والمصالح الاقتصادية، المبنية على أسس السلام والتعايش والانفتاح والاستقرار في العالم.

يُسهم قرار إعادة سفير الإمارات إلى إيران في خفض توترات المنطقة، وحل القضايا عبر الحوار مع التركيز على تعزيز الشراكات الاقتصادية، ما سيوفر -مع مرور الوقت- المُناخ المناسب لحلحلة الملفات العربية المرتبطة بإيران، خصوصًا ملفات سوريا واليمن والعراق ولبنان، كما تشكّل الخطوة الإماراتية دافعًا إيجابيًّا لدعم مسار المباحثات إقليميا ودوليا مع إيران، وسيعيد طرح قضايا عالقة بين الإمارات وإيران للنقاش والحل الدبلوماسي.

وسط كل الخلافات، لم تُمنع أيادي الخير الإماراتية عن الوصول إلى الشعب الإيراني في أشد الأوقات صعوبة، فالدبلوماسية الإنسانية لدولة الإمارات تفصل تمامًا بين المواقف الإنسانية وبين الخلافات السياسية.. لذلك وصلت المساعدات الإماراتية العاجلة خلال الأعوام الماضية إلى إيران لمساعدة المتأثرين بالسيول والفيضانات المدمرة، كما وصلت الإمدادات الطبية خلال جائحة “كوفيد-19″، ما يعكس حكمة السياسة الإماراتية، التي أبقت الباب مواربًا في إدارة علاقتها مع إيران، مركزة على الجانب الإنساني، فابتعاد إيران عن جيرانها العرب لن يخدم الأمن والاستقرار، بينما الحوار السلمي وفرص التعاون الكبيرة ستقرب المسافات، وستدفع العَلاقات من نقطة الجمود إلى دائرة الاستقرار وطريق الازدهار.

Exit mobile version