تحقيقات

علاقة غريبة تربط الجماعة الإسلامية في لبنان مع حزب الله


فجرت انعطافة الجماعة الإسلامية في لبنان نحو علاقات أوثق مع حزب الله، خلافات وتباينات تلامس حدّ التمرد، عبّر عنها بعض القادة في الجماعة التي تأسست بين نهايات الخمسينات ومطلع ستينات القرن الماضي على يد فتحي يكن وفيصل المولوي تأثرا بفكر حسن البنا وسيد قطب في مصر ومصطفى السباعي في سوريا والكتب المترجمة والمعربة لأبي الأعلى المودودي في باكستان.

والانفتاح على علاقات مع حزب الله يعكس في الوقت ذاته العلاقة الوثيقة بين حزب الله وحركة المقاومة الإسلاميةحماس‘ وهي أيضا امتداد لفكر جماعة الإخوان المسلمين المصرية في غزة والضفة الغربية، في التقاء ايديولوجي مربك يشقه اختلاف المذهب والولاء بحكم ارتباط الجماعة الشيعية اللبنانية بولاية الفقيه في إيران.

ومنذ بدء التصعيد قبل نحو ستة أشهر، أعلنت «الجماعة الإسلامية» مسؤوليتها عن عدة هجمات شنت من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل تشمل «عمليات مشتركة مع حماس» بحسب قيادي في الجماعة طلب عدم الكشف عن هويته.

دلالات عودة قوات الفجر في لبنان

عاد اسم قوات الفجر -الجناح المسلح للجماعة الإسلامية التي تعد فرع جماعة الإخوان المسلمين في لبنان- ليبرز من خلال عمليات استهدفت مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية.

وتحمل هذه العودة دلالات تبرز أهميتها في سياق المشهد الراهن، وعدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وإعلانه أن هدفه يتمثل في ضرب فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وبالعودة قليلا إلى الوراء، نجد أن أول ظهور لقوات الفجر كان خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لكن ما لبث أن غاب اسم هذه القوات عمليًا عن الساحة اللبنانية، خاصة بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، إلا ما كان له من نشاط خجول خلال حرب يوليو/تموز 2006.

تنشيط الجناح العسكري

عاد اسم “قوات الفجر” للتداول مرة أخرى السنوات الأخيرة في الإعلام اللبناني تحت عنوان “تنشيط الجماعة الإسلامية لجناحها العسكري”.

ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهد جنوب لبنان استهدافات يومية للمواقع والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية للحدود اللبنانية، وتبنت “قوات الفجر” بعض هذه العمليات.

وأعلنت القوات توجيه ضربة صاروخية استهدفت مواقع “العدو الإسرائيلي” في الأراضي المحتلة وتحقيقها إصابات مباشرة.

واعتبر مراقبون أن صواريخ “قوات الفجر” -رغم محدودية أثرها في المعركة المرشحة لانفجار الجبهة بين لبنان وإسرائيل- حملت رسائل سياسية وعسكرية.

تساؤلات وإشكاليات

أثارت هذه العودة تساؤلات وإشكاليات عديدة في الداخل اللبناني، الذي يشهد على الدوام انقسامات واصطفافات شديدة الحساسية.

فقد عادت الذاكرة ببعض الأطراف اللبنانية الرافضة لمبدأ “مقاومة إسرائيل” إلى السنوات التي سبقت الحرب الأهلية اللبنانية، التي كان خلالها الجنوب اللبناني منطلقًا لفصائل المقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين، وكان هذا ذريعة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ولاشتعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية.

يأتي هذا في ظل استمرار الخلاف بين الأطراف اللبنانية حول بند “تشريع عمل المقاومة” في البيانات الوزارية المتعاقبة، والعناوين التي تطرحها الأطراف المناوئة لحزب الله في الداخل مثل “قرار السلم والحرب” و”حصر السلاح في يد الجيش اللبناني”.

يشير نشاط قوات الفجر مؤخرا إلى التنسيق الميداني بينها وبين حزب الله، وهذا ما صرح به رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان علي أبو ياسين، مما يعني أن الحزب سمح وسهّل لقوات الفجر العمل الميداني في الجنوب اللبناني، حيث يسيطر فعليًا على خطوط التماس مع جيش الاحتلال.

ورغم عدم وجود غرفة عمليات مشتركة بين الحزب وقوات الفجر، فضلًا عن الخلافات السياسية التي تفاقمت بين الحزب والجماعة الإسلامية إبان الثورة السورية، فإن ما يقوم به حزب الله اليوم يشير إلى تبدل سياسته تجاه المكونات الإسلامية السنية في لبنان بعد أكثر من 10 سنوات من المفاصلة.

كذلك يفهم الحزب جيدا حساسية موقفه الداخلي، إذ إن الساحة اللبنانية مهيأة للانفجار في أي لحظة تحت عناوين طائفية متعددة.

ولذا، يسعى حزب الله لإشراك أطراف لبنانية متعددة -خاصة السنية منها- في العمل المقاوم، ليقطع الطريق على ما يمكن تصويره بأنه حرب على الحزب وحده في أي حرب محتملة.

تيار الفجر - قوات الفجر
نشاط قوات الفجر مؤخرا يشير إلى التنسيق الميداني بينها وبين حزب الله (مواقع التواصل)

مكتسبات مهمة

وفي المقابل، تحقق الجماعة الإسلامية عديدا من المكتسبات المهمة بمشاركة جناحها العسكري في العمل المقاوم ضد الاحتلال، فعنوان “المقاومة” يشكل رافعة شعبية وسياسية كبيرة لمن يحمله في الداخل اللبناني.

وأدى الفراغ الذي يعيشه “سُنة لبنان” -منذ تراجع تيار المستقبل- إلى جعل الأرض خصبة أمام أي استثمار على المستوى الشعبي السني.

ورغم ذلك، فإن رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية يؤكد أن عمليات “قوات الفجر” في جنوب لبنان لا تعني أن الجماعة الإسلامية في أي محور خارجي.

كما أكد الدكتور بسام حمود نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة ذلك بقوله “نحن لسنا في تحالف كامل مع حزب الله.. نختلف معهم في بعض الأمور، لكننا معهم في ما يتعلق بالمقاومة ضد إسرائيل”.

وتعكس هذه التصريحات سياسة براغماتية للجماعة، إذ تحاول المحافظة على مساحة كافية للمناورة حيال أي تبدلات في التحالفات والاستحقاقات وموازين القوى الداخلية والإقليمية.

 

 وشهدت العلاقات سابقاً بين «الجماعة الإسلامية» و«حزب الله» توترات؛ خصوصاً بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011 بسبب تدهور علاقة «حماس» بالنظام السوري.

وقال أبو ياسين «كنّا نتباين وما زلنا فيما يخص دخول (حزب الله) في الحرب إلى جانب النظام السوري».

غير أن علاقتها بـ«حزب الله» عادت لتتحسّن خصوصاً منذ انتخاب قيادة جديدة لها في سبتمبر (أيلول) 2022 مقرّبة أكثر من «حماس»، على رأسها الأمين العام الشيخ محمد طقوش، بحسب الحاج علي.

وقال القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه «أصبحنا اليوم في الخندق نفسه على صعيد الملف الفلسطيني».

على المستوى السياسي، لا تتمتع «الجماعة الإسلامية» بثقل كبير حيث يمثلها نائب واحد فقط في البرلمان اللبناني هو عماد الحوت، لكنها حاضرة في المناطق السنية، منها قرى حدودية في منطقة العرقوب بينها الهبّارية، على ما أشار الحاج علي.

ويضمّ جناحها العسكري المعروف باسم «قوات الفجر» نحو 500 عنصر، بحسب تقديرات الباحث.

وتأسست «الجماعة الإسلامية» في لبنان في مطلع الستينات، وتنتمي إلى مدرسة الإخوان المسلمين وحسن البنّا الفكرية.

وأشار القيادي إلى أن الجماعة لم تشارك في الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدّت من عام 1975 حتى 1990، لكنها أسست ذراعها العسكرية «قوات الفجر» عام 1982 لمحاربة اجتياح إسرائيل للبنان، ومن ثم احتلالها للجنوب.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى