سياسة

الولايات المتحدة التي “تحاول” مع إيران

علي الصراف


بعقوبات أم دونها، إيران لن تتخلى عن مشروعها النووي، لأنه بالنسبة لها مسألة حياة أو موت.

 

المشروع النووي الإيراني ليس إنتاج قنبلة. هذا وصف غير صحيح، حتى إنه غير صادق مع النفس. إنه مشروع خبرات وتقنيات وأعمال هندسة من كل الأنواع. ولكنه أهم من كل ذلك، غطاء لمشروع توسُّعي.

تقنيًّا، أي بالحدود التي تحرص عليها الولايات المتحدة، إنه أكبر من أن يتحطَّم، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق يسمح بالعودة إلى اتفاق عام 2015.. فكل ما سوف يحصل هو قطع السبيل أمام مزيد من أعمال التخصيب.. كل ما عدا ذلك سوف يبقى.. تبقى المعرفة نفسها.. كما يبقى الغطاء التوسعي، وهو الأهم والأخطر.

الغربيون لا يجهلون هذه الحقيقة.. لقد فعلوا حيال البرنامج النووي العراقي ما يثبت أنهم لا يجهلون.. ولقد شمل جهدهم تدمير البلد برمته لضمان ألا تستأنف خبراته ما كانت تعرف السبيل إليه.

ولكنهم لا ينوون فعل الشيء نفسه بإيران، حتى بالحدود التقنية الضيقة نفسها. لا توجد خطط في هذا الاتجاه، كما لا توجد نيّات أصلا. كل ما يسعون إليه هو أن تتوقف إيران عند الحد الذي وصلت إليه، وأن تُخضعه للمراقبة. هذا هو كل المسعى الذي استغرق نحو عام ونصف العام من المفاوضات.. وهو انتهى إلى الفشل، لأن إيران لا تريد أن تتوقف، ولا تريد أن تخضع للمراقبة.

المشروع النووي بكل ما ينطوي عليه من برامج تطوير وتقنيات، ليس سوى مشروع أمني استراتيجي بالنسبة للسلطة الإيرانية، يعمل في اتجاهين: الأول هو تحصين قدرات هذه السلطة على البقاء في مواجهة التهديدات العسكرية الخارجية. والثاني هو ردع الخصوم الذين قد يحاولون منعها من التمدد في الخارج.. ليكون بذلك نوعا من مظلة لتدخلاتها الإقليمية، يستفيد منها الأتباع الذين ترعاهم إيران وتمدهم بالدعم.

الغرب، والولايات المتحدة منه تحديدًا، لا تجهل هذه الحقيقة. إنها تعرفها وتعرف تفاصيلها أكثر مما قد نعرف عما تعرف!

لا حاجة إلى القول إن الولايات المتحدة هي التي صنعت “الوحش”. هي التي تواطأت معه. الرئيس جو بايدن هو بيده، لا بيد أحد سواه، سخّر لإيران الكثير عندما كان نائبًا للرئيس. وما صنعه بيده يلاحقه الآن، ويفرض عليه تنازلات، ويطلب منه تمويلا بمئات المليارات لكي يُشبع نهمه لمزيد من التسلح ومزيد من التوسع والتهديدات.

هذه حقيقة أخرى، يحسن دائما أن توضع في الاعتبار، لأجل القول، إن الذي صنع المشكلة يتعين أن يعرف كيف يحلها على الأقل، وأن يحلها على حسابه هو، لا على حساب آخرين.

المشروع النووي الإيراني باقٍ، وأهدافه العدوانية باقية معه، ليس لأن الولايات المتحدة وحلفاءها لا تعرف كيف توقفه عند حد، بل لأنها لا تريد ذلك. وكل ما تفعله الآن، هو أنها تحاول مخادعة الناس بأنها “تحاول”.

المقاربات الخاطئة، في مواجهة هذا المشروع، هي التي تكشف حقيقة المخادعات في القول بأنها “تحاول”.

عندما بقيت دول المنطقة تصرخ في الآذان الصمّاء بأن أعمال زعزعة الاستقرار في المنطقة هي الخطر الذي يتعين التصدي له، فقد تعمدت واشنطن ألا تُصغي وألا تفهم.

تصوَّر لو أن النفوذ الإيراني قد زال من العراق. فماذا كان ذلك سوف يعني بالنسبة للمشروع النووي الإيراني؟

تصوَّر لو أن لبنان عاد ليمتلك مقدراتِه بنفسه.. ثم تصوَّر لو أن المليشيات الإرهابية الحوثية في اليمن عادت لتترك البلاد إلى توافقات أطرافها وقواها السياسية المختلفة، فماذا كان ذلك سيعني للمشروع النووي الإيراني؟

هذا المشروع سوف يظهر فاشلا من تلقاء نفسه، لأن المظلة التي حاول أن ينشرها سوف تنكفئ على نفسها بما لا يُبقي للمشروع أي قيمة.

إنه مشروع توسعي. فإذا أُبطلت قدراته على التوسع، فإنه ينهار أو يتحول إلى عبء.

الولايات المتحدة لا تجهل هذه الحقيقة. وهي لا تخادع أحدًا بمقدار ما تخادع نفسها بالقول إنها “تحاول”. لأن التصدي للوجه التقني للمشروع، وليس لأغراضه الاستراتيجية، يُبطل معنى المحاولة من الأساس.

حسنا. المحاولة فشلت. شكرا. السؤال التالي هو: ماذا بعد؟

سوء الفهم، المقصود وغير المقصود، لا يوصل إلى نتيجة. يقول المثل: “ما نفع الركض إذا كنت تركض في الاتجاه الخطأ؟”.

السؤال الذي يواجهنا نحن أبناء هذه المنطقة هو: مَن قال إن الولايات المتحدة لا تعرف إنها تركض في الاتجاه الخطأ؟

إنها تعرف أكثر مما نعرف عما تعرف. ولكنها تخادع، وتحسب أن حبل الخداع طويل، أطول من العام ونصف العام الذي أمضته وهي “تحاول”.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى