واحد من أكثر التعليقات انتشارا بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية وتولي وريث عرشها الملك تشارلز الثالث، أنه اعتلى العرش بعد تجاوزه الـسبعين.
أي إن ملك بريطانيا الجديد بدأ مساره “المهني” في الوقت الذي أحيل فيه مَن هُم في مثل سنّه إلى المعاش منذ سنوات.
وبعيدًا عن تقاليد تولي العروش، هل يفوت الأوان على الإنسان عند سنّ معينة فتنتهي صلاحيته ولا يصبح قادرا على العطاء؟
قد يصبح الملك تشارلز أسرع في التأقلم على متطلبات منصبه من والدته الراحلة.. ذلك أن والدته اعتلت العرش وهي في سن الخامسة والعشرين، فأخذت وقتًا في التعلم والتدريب حتى أصبحت أكثر قدرة على التعامل مع السياسة والسياسيين وأمور الحكم.
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وينستون تشرشل، ساعدها مثلا على تحقيق هذه المهمة في بداية حكمها بوصية من والدها الملك جورج.. فهل بقضاء الملك تشارلز فترة أطول منخرطًا في أمور العائلة المالكة سيكون قد اكتسب خبرة أطول لن يحتاج معها إلى فترة التأقلم تلك؟
واقعيا، فكرة ارتباط السنّ بالقدرة على العطاء والعمل لم تعد دقيقة إلى حد كبير.. صحيح أن الإنسان يحتاج إلى قدر أكبر من الراحة كلما كبر، لكنه لا يصبح عاجزًا عن العمل، خاصة مع انتشار الوسائل المساعدة وارتباط معظم الأعمال الآن بالفكر وليس بالمجهود البدني.
أسواق العمل في السنوات العشرين الأخيرة فرضت علينا هذا الفكر، فأصبحنا ندق ناقوس الخطر عندما نقترب من سن الثلاثين.. ذلك أن معظم الشركات تفضّل الأصغر عند التعيين بدعوى أنه سيكون قادرًا على العمل ولديه الحماسة أكثر من غيره.
وأعتقد أن السبب الخفي وراء ذلك هو ارتباط الحماس الزائد في السن الصغيرة بالرغبة في إثبات الذات، وبالتالي إنفاق وقت أطول في العمل مع الرضا بأجر ضعيف مقابل التعلم.. إذًا الموضوع متعلق برأس المال فقط.
هل يتحول الإنسان فجأة من قادر لغير قادر في يوم واحد يفصل بين سنتين في عمره؟
يعني هل يكون قادرا قبل حفلة عيد ميلاده الثلاثين بيوم ثم يصبح كهلا غير قادر على التعلم أو التطور فجأة في اليوم التالي؟
بالطبع لا.. فالأمر يتحكم فيه كثير من المتغيرات مثل التطوير المستمر للنفس مثلا والحفاظ على الصحة وغيرهما.
يذكر أن الكاتب المصري نجيب محفوظ مثلا كان موظفا حكوميا ملتزما حتى سن المعاش بجانب كتابته الروايات.. رائعته، ملحمة الحرافيش، التي ذكرتها لجنة نوبل في حيثيات فوزه بالجائزة العالمية، كتبها “محفوظ” وهو في منتصف العقد السابع من عمره -تحديدًا نشرت عام 1977- إلا أنه واصل بعدها الإنتاج الروائي وقدم أعمالا لا تزال تعيش معنا إلى الآن بوتيرة ثابتة أكثر من تلك التي التزم بها وهو في وظيفته.
كذلك الزعيم الهندي غاندي، ظل وراء مهمته، التي آمن أنها هدف حياته حتى اغتيل وعمره نحو 78 عامًا.. وقد تعرض خلال حياته لـ6 محاولات اغتيال.
الله لا يعطينا سنوات من أعمارنا بلا فائدة.. حينما ينتهي دور الإنسان في الحياة يأتي أجلُه.. وبالتالي فإن على الإنسان أن ينتج ويعطي حتى وإن كان في سنوات أخيرة من حياته.. فهذه السنوات ليست عرضا إضافيا يكسبه “فوق البيعة”.. إن لم يكن لها غرض لما كانت أضيفت إلى حياته من الأساس.