من العلا تكتب دول الخليج العربية التاريخ مجدداً
عندما اطلعت على الأخبار المتعلقة بعقد القمة الـ”41″ لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المملكة العربية..
وشاهدت قبلها الحديث عن بشائر الانفراجة التي أسرت قلوب الشعبين السعودي والقطري، ليخرج الآلاف من مواطني الدولتين ودول أخرى إلى الشوارع مهللين بأعلام البلدين وأعلام جميع الدول العربية، في مظاهرة من الحب والفخر والعزة والانتماء لتاريخ أمتنا، راودت عيناي وذاكرتي أول قمة خليجية عقدت في الفترة من 25 إلى 26 مايو/أيار من عام 1981 في العاصمة أبوظبي، والتي دعا إليها المغفور له بإذن الله الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ممثلا عن دولة الإمارات العربية المتحدة، ليجتمع مع أقرانه من المؤسسين وقادة الدول الخليجية في ذلك الوقت رحمهم الله جميعاً.
واتفق خلالها قادة دول الخليج رسمیا على إنشاء ما يسمى “مجلس التعاون لدول الخلیج العربية”، حيث قاموا بالتوقيع على النظام الأساسي للمجلس الذي يهدف في المقام الأول إلى تطوير التعاون بين الأمة الخليجية والحفاظ على أمن واستقرار الخليج ومواجهة المخاطر الخارجية التي قد تهدد أو تواجه الأمن القومي العربي والخليجي، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري، وتوثيق الروابط بين الشعوب ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين والمنتديات الاقتصادية، والمالية، والتجارية والجمركية، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، بما يسهم مباشرة في تحقيق التنمية المشتركة بين شعوب الخليج والمنطقة، ويعزز من الروابط التاريخية والثقافية والدينية فيما بينهم، وباتت تلك الخطوط العريضة والنقاط المشتركة هي الأهداف الرئيسية السامية لمجلس التعاون.
“40” عاماً هي عمر جهود العمل المشترك بين دول مجلس التعاون، تمثل إرث شعوب الخليج وجهود توحيد الصف التي نتج عنها الكثير من الإنجازات والتحديات التي سبق أن واجهتها دول الخليج على مدار تلك السنوات الكُثر، خطا معها المجلس خطوات حثيثة منذ تلك النشأة، وأسهمت معه بشكل مباشر في تعزيز منظومة العمل المشترك الرامي إلى تحقيق أهدافها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وعزز ذلك التعاون ربط أواصر الود والتآخي الممتد في شبه الجزيرة العربية من خلال إقرار حزمة من التشريعات والقرارات التي قضت بإزالة الحواجز الاقتصادية لأبناء دول الخليج، وانعكست تلك القرارات من خلال إقرارها أيضاً مواد النظام الأساسي للمجلس، وعقد الاتفاقية الاقتصادية 2001، بالإضافة إلى عقد استراتيجية التنمية الشاملة “2010-2025” وأيضاً استراتيجية التنمية الاجتماعية 2016، والرامية في المقام الأول إلى رفاهية المواطن الخليجي وتطوير رأس المال البشري الخليجي، بما يجعل طي الخلاف والالتفاف مجددا حول القضايا المشتركة ومواجهة تلك الأزمات والتحديات ضرورة حتمية ومصيرية لأمن المنطقة وتحديد الخطوط العريضة لمستقبلها.
ولعل ما يمكن التركيز عليه من أهمية قصوى تستدعي تسريع وتيرة العمل في هذه المرحلة بين دول المجلس والبدء في استئناف العمل المشترك الذي يسمو فوق أي خلاف، ليواجه دول المجلس العديد من التحديات التي تواجه المنطقة، والتي يمكن استعراضها بشكل عام من خلال عدد من النقاط الرئيسية، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- الحفاظ على أمن واستقرار الخليج، لا سيما مكافحة الإرهاب الذي يمثل آفة لا تعرف موطناً محدداً، وهو ما يتطلب التنسيق المستمر مع كافة الأطراف ذات الصلة، سواء على مستوى الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وعدد من دول أوروبا وغيرها، أو على مستوى المنظمات والكيانات المماثلة سواء جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي من أجل تجفيف مصادره والقضاء عليه.
2- التنسيق والتعاون بين دول مجلس التعاون من أجل تعزيز إجراءات مكافحة جائحة كوفيد-19، وبما ينظم حركة الملاحة الجوية والبحرية والبرية والتنقل منها وإليها، مع الحفاظ على سلامة مواطني ومقيمي دول المجلس، مع إنشاء قواعد البيانات الرقمية التي تسهم في تحديد وحصر الحالات وعلاجها.
3- ديمومة العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي والمشاريع ذات البُعد الاقتصادي الوطني والأمن الغذائي ومشروعات الطاقة والمياه وتوطين الاستتثمار لدول المجلس، بما يعزز من آليات تحقيق التنمية المستدامة خاصة مع تأثر عدد من دول المجلس بظروف اقتصادية متباينة، بما سوف ينعكس على مدى قدرة تلك الدول في الإسهام المباشر فيها، أو قدرة الدول الأخرى غير المتأثرة على العطاء، خاصة مع تكريس ميزانيات الحكومات بشكل كبير إلى القطاع الصحي والطبي لمواجهة وباء كورونا المستجد.
4- دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني باعتبارها قضية العرب الأولى، خاصة أن مسألة عقد معاهدات سلام مع إسرائيل يسهم إلى حد كبير في التفاوض وتقريب وجهات النظر ودعم قنوات السلام والحوار بين الأطراف ذات الصلة من جهة، مع التأكيد في كون التغيرات العالمية التي فرضت نفسها على المنطقة، والتي تؤكد أن مقاطعة إسرائيل للعرب أو مقاطعة العرب لإسرائيل هي خسارة لكل الأطراف، وعُزلة لن يُجنى من ورائها ثمار.
5- مواجهة الطموح التركي الجارف وضرورة التنسيق مع قطر للضغط على الجانب التركي، بهدف التخلي عن مكافحة الإرهاب والتدخل في شؤون الدول ومعاداة الدول العربية.
6- مواجهة محاولات الهيمنة الإيرانية في المنطقة، بين مسألة فتح قنوات الحوار غير النمطية مع الجانب الإيراني وضرورة دعوتها المستمرة للالتزام والامتثال للمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، بهدف إنهاء احتلال الجزر الإماراتية ووقف تمويل الإرهاب أو التدخل في شؤون الدول وتهديدها، بما يؤثر على السلم والأمن الدوليين وذلك من جهة، وأيضاً بين ديمومة تحالف دول مجلس التعاون والأطراف الأخرى بهدف الحفاظ على توازن القوى الضاغطة بدورها وامتدادها لتحجيم التهديدات الإيرانية في المنطقة من جهة أخرى.
7- أهمية القضاء على مليشيا الحوثي التي ترعاها وتمولها إيران، بما يضمن استقرار الأوضاع في اليمن ويدعم عمل الحكومة اليمنية ويعظم من السلام والاستقرار، لحماية مكتسبات ومقدرات دول المنطقة بأجمعها.
8- العمل على حل المنظمات الحقوقية التي تعمل من خلال أجندة مسيسة وترعى الإرهاب أو تعزز من وجوده بشكل مباشر وغير مباشر لصالحها أو لصالح أطراف أخرى، بهدف زعزعة السلام والاستقرار ومهاجمة الدول التي تكافح الإرهاب كنتيجة طبيعية في حماية حقها في مواجهته لحماية شعبها وسيادتها الوطنية.
لقد أثبتت قمة العلا حرص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الدائم ودورهما الريادي المستمر والنابع من الفهم العميق لقيم التعاون والترابط والمشاركة والمبادرة التي امتدت مسيرتها لأربعين عاماً بين دول المجلس، والأهمية القصوى لما يتطلع إليه الجميع من تحقيق الأهداف المشتركة خاصة المتعلق منها بالحفاظ على استقرار المنطقة ومواجهة التحديات اليومية التي يواجهها العالم العربي، مثل السلام والأمن ومواجهة الإرهاب وتحقيق التنمية والرخاء وديمومة إعلاء المصالح العليا لمنظومة العمل الخليجي، كما أنها لا تدخر جهداً إلا وتبذله مع أشقائها في المنطقة منذ دعوتها لعقد القمة الأولى في عام 1981م، باعتبارها مسألة مصيرية لا يمكن الحيد عنها والتزاما وطنيا تتبناه الإمارات منذ قيام الاتحاد في عام 1970م، ومن هنا نقولها شكراً للإمارات على كتابة التاريخ مجدداً.
نقلا عن العين الإخبارية