بيان جبهة إسطنبول وضبابية مشهد الإخوان
أصدرت جبهة إسطنبول” في ساعة متأخرة الثلاثاء، بيانا تحاول فيه التأكيد على استحقاق محمود حسين؛ الأمين العام السابق للجماعة، لمنصب قائم بأعمال المرشد العام، استنادًا إلى ما أشارت إليه أنه “المادة الخامسة من اللائحة”.
ضبابية الرؤية
وقد حاولت الجبهة في البيان الذي عنوانه: “وضوح رؤية حول مستجدات الأحداث” دغدغة عواطف الإخوان في كل مكان، والظهور بمظهر القيادة الحكيمة المستحقة للمنصب والقادرة على لم الشمل وتحميل جبهة لندن المنافسة التي كان يقوده الراحل إبراهيم منير، مسؤولية الانشقاق والصراع وما ترتب عليه من اضطراب تنظيمي غير مسبوق.
حيث كشف توقيت البيان عن انهيار التماسك التنظيمي، وغياب القدرة على المشاكل داخليًا، وكذلك ضعف تواصل “جبهة محمود حسين” مع باقي الإخوان بالداخل المصري.
فأدبيات الإخوان كانت دائمًا تميل إلى أن تقتصر لقاءات وضوح الرؤية على أعضاء الجماعة من العاملين، أو من المنتظمين على أقل تقدير، أما أن ينشر للعلن وليس فيه جديد، فذلك يدل على ضعف التواصل مع بعض القطاعات.
بحسب مراقبين للشأن الاخواني فالبيان ذاته، حمل العديد من الاتهامات لعناصر “جبهة لندن” منها تعمد عرقلة خطوات الإصلاح ولم الشمل، المماطلة والتسويف في الرد، خلف الوعد، وأخيرًا الإصرار على شق الصف.
رداء الحمل الوديع
بدأ البيان بمقدمة عاطفية استعطف فيها الصف الاخواني من خلال البدء بآيات قرآنية وأحاديث ومقولات لقادة التنظيم الأوائل، تحث على الوحدة، ضمن مقدمة تقليدية تهدف لدغدغة عواطف الصف الاخواني.
وحاول محمود حسين إثبات أنه “داعية سلام يريد الإصلاح، وامتداد طبيعي لقيادات الإخوان المسجونة” عبر “الترحم على نائب المرشد والقائم بالأعمال السابق إبراهيم منير، الذي وافته المنية قبل ثلاثة أسابيع، نافيًا عن نفسه اتهامات مناوئيه من جبهتي” لندن” و” المكتب العام” أنه لم يحضر العزاء وتأبين الرجل، كما حاول أن ينفي عن نفسه ما اتهمه به بعض الإخوان بأنه “خائن للأمانة سارق لأموال الجماعة”، التي وصلت في بعض التقديرات، قرابة 2 مليون دولار من تبرعات المقربين للتنظيم بالخارج.
ثم يتحدث البيان عن قدرة الجماعة على مواجهة الانشقاقات والأزمات وحتمية انتصارها وتغلبها على عقبات الطريق، منكرًا للواقع الذي يؤكد انشقاق الجماعة إلى خمس مجموعات، ثلاثة تتناحر على قيادة الجماعة، ومجموعتين اعتزلتا العمل مع أي جبهة، لكن البيان يحتكر الحديث عن الجماعة كأنما حسين وجبهته هم أصل الإخوان، متجاهلًا قرار إبراهيم منير بفصله هو ومجموعة الستة قبل قرابة العام.
ويستعرض محمود حسين مجهوداته التي سعى من خلالها للتقرب إلى جبهة لندن بما أسماهم “الإخوان الملتفون حول إبراهيم منير،” ولم يسمهم “بالمجموعة التي أعفت نفسها من عضوية الجماعة” كما اعتاد أن يطلق عليهم، في إشارة واضحة عن نيته الاعتراف منه بعضويتهم في الجماعة ومجلس الشورى، وأنه يمكن النظر في قراراته الصادرة في أغسطس 2021 والتي فصل فيها إبراهيم منير ومعه 15 عضوا من مجلس شورى الإخوان.
كما أشار إلى أن كل المطلوب منهم عودتهم تائبين نادمين على ما ارتكبوه من أخطاء، مع وعد منه أنه لن يطالبهم باعتذار ولن يحرمهم من مناصبهم، فهو لا يريد سوى العودة وإعلان التوبة،.
سيطرة التنظيم الدولي
أكد البيان على أصل الخلاف فيما بين الجبهتين يتمحور حول إصراره على أن التنظيم المصري يملك زمام نفسه سواء بالداخل والخارج، في إشارة واضحة لتغول أعضاء التنظيم الدولي من أمثال محمد البحيري ويوسف ندا ومحمود الإبياري في جبهة لندن ( منير) على أعضاء التنظيم المصري فيه أمثال محي الدين الزايط وحلمي الجزار وأسامة سليمان.
ووفق مراقبين “لم يقدم البيان المتسرع جديدًا ولم يوضح غامضًا ولم يكشف مستورًا، ولم يبرئ متهمًا، ولم يدن مذنبا، جاء وكأنه استباق لخطوة جبهة منير في إعلان القائم بأعمال المرشد من جانبها، وهي الخطوة التي تأخرت كثيرًا بدون مبرر، مما يعني أن الجبهة تعاني من خلافات داخلية عرقلت تسمية المرشد الجديد”.
ويرى بعض الخبراء أن البيان هو الخطوة الثالثة التي اتخذتها جبهة حسين في ظل صمت من قبل جبهة لندن، مما يعني أن لديه مخاوف من خطوة أتباع منير التالية، وأنه يعلم أن ثمة ضعفا في أدواته التنظيمية، لهذا يراهن على استمرار تلكؤ جبهة لندن في تسمية من يشغل المنصب الشاغر، مع استمراره في التأكيد على منصبه.
يهدف محمود حسين من ذلك إلى أن يحصل على المنصب بوضع اليد، فالوضع الحالي غريب على تنظيم الإخوان، وكثير من قواعد التنظيم تتمنى انتهاءه بأي وسيلة وتحت أي قائد، وفي سبيل ذلك قد يقرون له بالقيادة ليس لأنه مستحقها بل لأنهم يرغبون في الخروج من الأزمة الراهنة بأي شكل، حسب الخبراء.
الإخوان “مكملين” في الانشقاق
يرجح بعض المقربين من الجماعة أن هذا البيان لن يحسم الخلافات والانشقاقات التي يعاني منها التنظيم، بل سيزيد الوضع تشابكا وتعقيدا ولا يمنح فرصة للتصالح، فرغم الهدوء المصطنع من محمود حسين وادعائه التسامح مع جبهة منير ، إلا أن خبرات الإخوان معه تؤكد أنها مرحلة وسينقض على أتباع منير بالفصل بعد تمكينه من القيادة بشكل رسمي.
ويلاحظ هؤلاء أنه “مما يساعد على استمرار الانشقاق اختفاء دور شخصيات تاريخية قادرة على أن تقدم مبادرات لوقف الصراع، والبدء في التصالح مثل يوسف القرضاوي الذي توفي الشهر قبل الماضي، ومحمد أحمد الراشد القيادي التاريخي العراقي “المعتزل”، الذي كان في صدر عملية التحكيم بين محمود حسين ومحمد كمال في انشقاق 2016.
وبعد أن حكم باستحقاق محمد كمال لموقعه وخسارة محمود حسين لمنصبه عاد بعدها الراشد بأسابيع وأعاد التحكيم، ثم خرج بحكم آخر يرى أن الحق مع محمود حسين وأن محمد كمال مفتئت على “القيادة الشرعية” مما أضعف موقف مجموعته (جبهة المكتب العام)، ومن ثم قدم استقالته من كل مناصبه.
والآن وبعد انسحاب الراشد من الحياة الفكرية الإخوانية واعتكافه واعتزاله الصراعات، يبرز سؤال من يمكن أن يتدخل لينقذ الجماعة من تتخبطها في التيه الفكري والسياسي والتنظيمي؟.
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال يردّ مراقبون بأنه “لا أحد يمكنه التكهن بخطوات الجماعة التالية، فكل جبهة تتصارع على القيادة ليس من أجل تصحيح المسار أو المراجعة أو تصويب الأفكار بل من أجل المزيد من المناصب والنفوذ والأموال، وعلى من يكون وكيل المخابرات الأجنبية في مهمة هدم للدولة المصرية.
وإذا استقرت القوة العالمية التي تستخدم الإخوان في مشروعها، على الجبهة التي تصلح للمهمة القادمة فستصدر تعليماتها بالطاعة لها وستتم تسوية الخلافات فورًا”.