فيما تتوالى السنوات، تكرس جماعة “الحوثي” واقعا في شمال اليمن يوازي ذلك الذي في كوريا الشمالية.
فبكل المعطيات القائمة يستعيد اليمن الشمالي جوهر دولته، التي تعود إلى ما قبل الألف عام، فلقد سبقت صنعاء الزيدية نجف العراق و”قم” إيران، وفيما يأمل الحالمون من العرب والمتعشمون في قبائل طوق صنعاء أن تقتحم أسوار المدينة، فإن واقع اليمن لن يتبدل، بل إنه يكرس الحقيقة وإن كانت ثقيلة، غير أنها الحقيقة، فلم تُجدِ المحاولات الجادة للتغيير كافة.
قبل ما يزيد على القرن ظهرت المملكة المتوكلية ضمن سلسلة الممالك والدول الزيدية التي حكمت هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية، وإن كان القرن العشرون بكل تحولاته لم يستطع إخراج اليمنيين من طبيعتهم المصنوعة عبر الأزمنة والعصور البعيدة، فكيف سيتمكن القرن الحادي والعشرون من التغيير؟
هذه طباع بشرية استساغت التعايش بنمطية استهلاك الزمن عبر مضغ القات، فلا يمكن أن تتبدل طبائعهم وخصائصهم.
فها هم تعاملوا مع انقلاب جماعة “الحوثي” في سبتمبر 2014 بكل مقتضيات استهلاك الوقت وإهدار الفرص وتفويت الدعم اللا محدود من التحالف العربي.
عندما سقط الاتحاد السوفييتي نهاية تسعينيات القرن الماضي، شهد العالم تحولات سياسية متسارعة تأثرت معها الجزيرة العربية، وذهبت ضحيتها عدن بعد أن وجدت أنه لا حلول أمامها غير القفز للوحدة مع صنعاء، والتي لم تلبث أن احتلت عدن والجنوب كاملاً بعد أربع سنوات في حرب صيف 1994.
وكان نظام علي عبد الله صالح يجيد -كما كل اليمنيين- سياسة الابتزاز، لذلك لم يجد من غضاضة في أن يحتضن جماعة “الإخوان” ويستخدمهم ضد دول الخليج العربية ضمن سياساته المعتادة، فلقد سبق وأن استخدمهم كخنجر مسموم ليطعن به الجنوبيين.
النظر بواقعية للتاريخ السياسي في شمال اليمن يؤدي لحقيقة واحدة، فالشمال اعتاد النفور عن الجزيرة العربية، فحقائق التاريخ تقول إنهم استدعوا الفُرس إلى بلادهم، كما استدعوا الأحباش وساروا معهم لهدم الكعبة في مكة، ثم هم الذين استدعوا الأتراك العثمانيين، فلا عجب أن يستدعوا الأفغان العرب والإيرانيين، فهذه واحدة من وظائفهم المدوّنة تاريخيًّا، وما سنوات “عاصفة الحزم” غير واحدة من الفرص لكشف تلكم الحقائق الموجعة والدامغة.. فاليمنيون شعب يرى أن الحروب والصراعات جزء من معيشتهم، وإنْ كانت تهدد مصالح جوارهم والعالم.
يقابلُ الجانبَ القاتم شمالاً وجهٌ آخر جنوبًا، الذي اتخذ مسارًا نضاليًّا سلميًّا ممتدًا لفك الارتباط بين عدن وصنعاء، وما شكلته المتغيرات أنجب رافعة سياسية جنوبية مثلها المجلس الانتقالي الجنوبي. أظهر التزاما واضحا ناحية مقتضيات الأمن القومي العربي، وتشكلت قوات متخصصة لمكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية على امتداد السواحل البحرية في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، مع خطاب سياسي وازن ومعتدل تعامل مع متطلبات المرحلة الانتقالية في اليمن على أمل يحمل “لعل وعسى”.
إذا كان شمال اليمن نافرًا ومارقًا، فالجنوب حاضنة عربية خالصة يمكن من خلاله استنساخ نموذج كوريا الجنوبية الناجحة وتحويل عدن إلى منطقة ربط اقتصادي، على غرار ما فعلته بريطانيا العظمى في القرنين التاسع عشر والعشرين وجعلتها درة التاج الملكي.
الفرصة مواتية لاستغلال ما يوفره المشروع الصيني “الطريق والحرير” وصعود الهند كدولة طامحة للمنافسة.. فمتى ينظر العرب في مصلحتهم بدلاً من اللهاث وراء سراب؟ وقد قال فيهم أحمد يحيى الثلايا يوم خذلوه وتركوه يواجه مشنقة الإعدام وحيدًا مقولته العابرة للتاريخ: “قبح الله شعبا أردتُ له الحياة، وأراد لي الموت”، إليكم عدن يا عرب فخذوها وعضُّوا عليها بالنواجذ.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية