تشهد ليبيا تعقيدات كبيرة مرتبطة بالغرب الليبي، ما بين صراع مليشيات وخلاف بين “حكومتين” حول إطار الانتخابات.
وضعية ضبابية يعيشها الشعب الليبي الباحث عن الاستقرار، وسط حالة جمود سياسي، بسبب معاناة البلد من نفوذ المليشيات وعدم القدرة على تشكيل حكومة واحدة تقوم على خدمة الليبيين.
وعند تفنيد أسباب التصعيد بين حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المدعومة من البرلمان “فتحي باشاغا”، سنجد أن تعقيدات أزمة الانتخابات كانت السبب الأبرز، بالإضافة إلى خارطة الطريق المنبثقة من الحوار السياسي، الذي رعته الأمم المتحدة العام الماضي، والتي شكلت حكومة انتهت ولايتها سريعًا، دون إقامة الانتخابات، التي كانت هدف تشكيل الحكومة الرئيسي، ولا تزال تلك الحكومة متمسكة بالسلطة بذريعة الانتخابات، برغم قرار مجلس النواب الليبي بتشكيل حكومة “باشاغا”.
كما أعتقد أن مخرجات الحوار لم تراعِ أطراف الأزمة كافة، ما أدى إلى استمرار وجود المليشيات المسلحة. وعليه، استمرار أعمال العنف المسلحة.
وقد تزامن التصعيد في طرابلس ما بين “مليشيات الحكومتين”، مع الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على القوى الغربية المنغمسة في الشأن الليبي، والمقبلة على شتاء صعب بسبب شُح إمدادات الطاقة، ما يفسر غياب الإرادة الدولية لحلحلة ملف ليبيا.
وقد تُفضّل القوى الدولية استمرار الوضع الليبي على ما هو عليه بفعل الدور السحري لموارد الطاقة الليبية، ما يعني صعوبة إقامة انتخابات عادلة في ليبيا تضم كل الأطراف.
وفي هذه الأوقات الليبية العصيبة اتجهت أنظار المراقبين إلى القاهرة وأنقرة، واستضافتهما في التوقيت نفسه الأطراف الليبية المختلفة لإيقاف التصعيد ومحاولة الوصول إلى تفاهمات متوازنة بعد التصعيد الأخير في طرابلس.
فاستضافت القاهرة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، بهدف حل المسائل العالقة للانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة، بينما استضافت أنقرة رئيسي الحكومتين، الدبيبة وباشاغا.
وستلعب تركيا دورا مؤثرا في حسم الصراع في الغرب الليبي، خصوصًا مع انشغال القوى الخارجية بأزمة أوكرانيا وتداعياتها على النفط والغاز والغذاء، ومن المتوقع أن يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رعاية مصالحة بين “الدبيبة” و”باشاغا”، وإجراء حوار بين الحكومتين ينتهي بانتخابات.
كانت تركيا استقبلت مؤخرًا رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ونائبه، ما يعكس توازنًا ملحوظًا للتعامل التركي مع الملف الليبي، خصوصًا بعد تحسن العلاقات التركية-العربية، وتحديدًا مع الإمارات والسعودية ومصر.
وعلى ذكر الدول الثلاث العربية الكبرى، فإن بإمكان الإمارات ومصر التأثير بشكل إيجابي في حل الأزمة الليبية، لما يمتلكه البلدان من توافق كبير في الرؤى المشتركة، وفاعلية دبلوماسية عالمية، قادرة على وضع ليبيا على طريق صحيح، فضلا عن علاقاتهما المتوازنة مع الأطراف الليبية كافة، التي يمكنها دعم الوصول إلى تفاهمات لحل الأزمة وإعادة ليبيا إلى استقرارها وازدهارها.
ولا ننسى هنا بالطبع حاجة ليبيا إلى دستور جديد ينظم تداول السلطة والانتخابات، بالإضافة إلى الدعم الفني على الأصعدة كافة لإعادة أجهزة الدولة ومواردها إلى مسارها الطبيعي، والحاجة الضرورية إلى نزع السلاح وإنهاء وجود المليشيات والمرتزِقة بشكل نهائي.