كي لا تتحول ليبيا إلى “سوريا جديدة”
تغيّرت ملامح اللعبة التركية في ليبيا مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المفاجئة وغير المعلنة إلى تونس الأربعاء الماضي، رفقة وزيري الدفاع والخارجية مع مدير استخباراته، فالرئيس التركي على ما يبدو يسعى للحصول على موافقة الرئيس التونسي قيس سعيد لاستخدام حدود بلاده في تقديم الدعم العسكري لحكومة فايز السراج المنتهية صلاحيتها في ليبيا.
ويحاول أردوغان بهذه الطريقة الحصول على دعم دبلوماسي من عدّة دولٍ عربية تأتي تونس في مقدمتها إلى جانب الجزائر ومن ثم قطر، خاصة أنه يتحدّث عن مؤتمرٍ دولي حول النزاع الليبي، والذي سيُعقد في العاصمة الألمانية في وقتٍ لم يحدده بعد، برعاية تركية ومواقفة روسيّة لم يحصل عليها أردوغان إلى الآن.
وبدا الرئيس التونسي الجديد متفهّماً إلى حدٍّ كبير للأطماع التركية في المتوسط، لا سيما أنه قال حرفياً في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي “إن الاتفاق البحري المبرم بين أنقرة وحكومة السرّاج المُتعلّق بترسيم الحدود البحرية لا يمسّ تونس ولم يكن مطروحاً”، في محادثاته مع أردوغان، وهذا يعني أن الرئيس التونسي يتجاهل مخاوف عدّة دول عربية وأجنبية، وهي مصر واليونان وقبرص من الاتفاق البحري المبرم بين أردوغان والسرّاج.
والملفّت أكثر في لقاء الرئيسين التركي والتونسي اللذين تباحثا في سُبلِ وقف إطلاق النار في ليبيا بين الجيش الليبي الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر من جهة، والمليشيات غير المنظمة التي تقودها حكومة السرّاج المدعّومة تركياً وقطرياً من جهة أخرى، هو غياب ممثلين عن أطراف عربيّة وأخرى دولية، وهي معنيّة كذلك بما يجري في ليبيا، لا سيما أن عددا من وسائل الإعلام العربية أفادت باجتماع السرّاج أيضاً مع الرئيسين.
وتزامنت زيارة أردوغان إلى تونس مع محاولات حزبه بالحصول على موافقة البرلمان في بلاده بإرسال عناصر من الجيش التركي إلى ليبيا لمساندة مليشيات السرّاج عسكرياً، على الرغم من أن مستشارين وجنودا أتراكا وصلوا بالفعل في وقت سابق إلى ليبيا، التي تدعم أنقرة فيها كذلك جماعات جهادية، وهذا يعني أن أردوغان يسعى جاهداً لشرعنة تدخل بلاده عسكرياً في ليبيا، خاصة أن هذه المحاولات كلها تتزامن كذلك مع نيته لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا في برلين، ومن المقرر أن تحضره أطراف عربية.
وعلى الرغم من أن أردوغان واجه في زيارته إلى تونس رفضاً شعبياً بدا واضحاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في بيانات بعض الأحزاب المُعارضة في البلاد، إلا أن الرئاسة التونسية تجاهلت ذلك ولم تعلّق على تحذّيرات “حركة مشروع تونس” من انحياز حكومتها إلى جانب أردوغان وحكومة السّراج.
وتخوّفت الحركة المعارضة للحكومة التونسية من زيارة أردوغان، بل قالت في بيان صحفي “إن هذه الزيارة توحي بوجود موقف تونسي رسمي مؤيد لأردوغان وحكومة السرّاج”. وفي هذا الكلام الكثير من الحقائق، خاصة أن زيارة الرئيس التركي تزامنت مع وجود السرّاج في تونس، وكذلك مع غيابِ ممثلين عن الجيش الذي يقوده حفتر، وهو طرف فعّال في النزاع الليبي ويحظى بدعمٍ عربي ودولي ملفت، الأمر الذي يؤكد ما جاء في بيان “حركة مشروع تونس” وهو انحياز الرئيس الجديد لأردوغان وحليفه الليبي.
ختاماً.. تذكّرنا هذه الزيارة بالزيارات الكثيرة التي قام بها أردوغان إلى قطر لحلّ النزاع السوري، حيث كان يقوم بعد عودته من الدوحة إلى بلاده بتشكيل مجموعاتٍ مسلّحة معارضة لحكومة الأسد، تبيّن في وقتٍ لاحق أن معظم أفرادها من الجهاديين، لذلك كي لا تتحول ليبيا إلى سوريا جديدة على الأطراف الدولية والعربية المعنّية بالملف الليبي وضع حدّ للتدخلات التركية في هذا البلد بشكلٍ فوّري وعاجل قبل وصول الجيش التركي إليها.
نقلا عن العين الإخبارية