سياسة

إيران تهدد وإسرائيل تقصف وسوريا تنزف


يبدو أن إسرائيل لا تكترث كثيرا لرد الفعل المنتظر من دمشق على استهدافها المتواصل للأراضي السورية وإلا لما أقدمت أكثر من مرة على تكرار قصفها لمواقع تقول حكومة الاحتلال إنها عسكرية تابعة لإيران.

ما الذي يؤخر الحكومة السورية عن الرد على هذه الهجمات المتكررة من قبل تل أبيب ؟

تكرر دمشق وإن بطريقة غير مباشرة أنها أمام أولوية في الداخل فهي توجه ألتها العسكرية لمحاربة ما تسميه إرهاب الجماعات المتطرفة بالإضافة لدحر ما تبقى من فصائل المعارضة المسلحة ولكن هل يعفيها ذلك من مسألة حفظ كرامة الأراضي السورية التي باتت منتهكة على وجه غير مسبوق من إسرائيل وغيرها؟

بالطبع سيكون الجواب “لا” إذ أنّ السوريين على مختلف توجهاتهم يراقبون ما يحدث على أرضهم بكثير من القلق على مصير البلاد التي تحولت إلى “فيتنام إيرانية ” تستثمرها “طهران” لتصفية حساباتها إن كانت موجودة بالأصل مع إسرائيل التي لا توفر فرصة حتى تقصف سوريا بذريعة التحركات الإيرانية العسكرية على الأرض السورية وهذا ما يدفع السوريون ضريبته دماء زكية تسيل على أرض وطنهم الممزق إثر الصراع الدائر منذ نحو ثمانِ سنوات.

في الواقع ثمة حقيقة لا بدّ لدمشق من إدراكها قبل فوات الأوان وهي بأنّ التحالف مع طهران انتهى مفعوله تماما بل بات خسارة على المستويين العربي والدولي فماعاد مجديا لعاصمة الأمويين الاستمرار بهذه الاستراتيجية التي كانت ورقة ضغط ضد تل أبيب إبان حكم الرئيس “حافظ الأسد” إذ أصبح لزاما على دمشق اليوم فكّ هذا الارتباط وإن لم يكن بشكل فوري فيمكن البدء بذلك على مراحل ومن خلال عدة خطوات نذكر منها:

أولا: وقبل كل شيء تسليم ورقة المفاوضات لموسكو فحسب من دون إشراك طهران مما يقوض نفوذها على الأرض السورية والدولة الوحيدة القادرة على ذلك هي “روسيا” بما تملكه من قبول في الأوساط الموالية لدمشق ومرونة في التعامل مع الجهات المعارضة للحكومة وهذا ما سيساعد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على المضي بحل سياسي سيرضي الأطراف السورية في وقت قريب على شكل حل سياسي دائم وذلك لما يملكه الرجل من علاقات كبيرة في المجتمع الدولي المحيط بالأزمة السورية إذ أنّ المشكلة باتت في كيفية إخراج إيران من سوريا وليس إسقاط حكم الرئيس السوري “بشار الأسد” لدى الكثير من الأطراف الدولية وعلى وجه الخصوص العربية .

ثانيا: انفتاح دمشق على شقيقاتها العربيات والبدء بصفحة جديدة من باب الوقوف في وجه النفوذ التركي الذي يتنامى في المنطقة العربية خاصة بعد إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” المضي بتنفيذ اتفاقيته العسكرية مع حكومة الوفاق الليبية بقيادة “فايز السراج”  وإرسال قوات تركية إلى هذا البلد العربي ما يعني إطلاق العنان لأنقرة للتدخل في أكثر من بلد عربي بدءا من سوريا والعراق وليس انتهاء بليبيا وهي نقطة جوهرية تشترك في الحد منها أغلب البلدان العربية باستثناء قطر.

ثالثا: المصالحة الداخلية التي على إثرها سيعمد السوريون إلى ترك بلدان اللجوء والنزوح والعودة إلى بلدهم والمساهمة في إعماره ومايؤخرهم عن ذلك هو الخوف من فتح ملفات التخوين التي جاء أكثرها نتيجة التقارير الكيدية والفساد الذي ضرب جذورا في مفاصل الدولة بحيث باتت بعض المؤسسات الحكومية تنفذ أجندات خارجية لا علاقة لدمشق بها نتيجة اختراق بعض الشخصيات السورية من إيران على وجه التحديد وهذا ما لن تقبل به الحكومة السورية التي وإن كانت متحالفة مع إيران إلا أنّها عمدت في كثير من الأحيان إلى عدم تقوية شوكة هؤلاء على حساب الوطن.

نستطيع القول بأنّه إذا ما مضت دمشق بهذه الخطوات ستكون المرحلة المقبلة مختلفة على الصعيدين العربي والدولي كذلك ويأتي هذا على منحيين اثنين:

الأول: ستكون هناك ردات فعل للبلدان العربية أكثر قوة تجاه التهديدات التي تستهدف سوريا الدولة العضو المؤسس للجامعة العربية وليس من المبالغة القول إنه في حال تم تحجيم النفوذ الإيراني في الداخل السوري سيترتب عليه خطوات تصل إلى حد مشاركة دول عربية ذات ثقل اقتصادي في إعادة الإعمار التي تتطلب الكثير من الإمكانيات الاقتصادية فلايمكن لسوريا الاعتماد على روسيا والصين في هذا إن لم تكن هناك مشاركة من المحيط العربي الذي يشترط قبل كل شيء خروج إيران من سوريا.

ثانيا: المجتمع الدولي الذي يجمع الآن على ضرورة تغيير إيران سياستها الخارجية تجاه العالم عموما وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص لذلك ستكون سوريا مرحلة أولى يمكن من خلالها لهذه الدول التعامل مع سوريا وفق المنظومة الدولية التي إن اتفقنا أو اختلفنا مع نهجها إلا أنها مؤثرة بشكل كبير في استمرارية الصراع وعدم السماح للطرف الأقوى على الأرض ” الجيش السوري” بفرض استراتيجيته والمضي بالانتصار العسكري على حساب الطرف الأضعف الذي ما عاد له وجود على أرض الواقع .

كل هذا سيجنب سوريا من أن تتحول إلى فيتنام إيرانية تتحرك إسرائيل فيها كيفما تشاء ويقتصر الإيراني على التهديد والوعيد فحسب فهو غير خاسر بأي مواجهة مع تل أبيب فلا الأرض أرضه ولا الدماء التي تسيل إيرانية باستثناء بعض الحالات النادرة.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى