سياسة

هل تستطيع القيادة الإيرانية الجديدة إدارة علاقاتها مع وكلاء طهران؟


في أعقاب حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تثار تساؤلات حول كيفية إدارة إيران لعلاقاتها مع وكلائها في المنطقة، إذ تعتبر إيران من اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، حيث تمارس نفوذها من خلال جماعات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وحماس في فلسطين ومليشيات متعددة في العراق.

التحكم من القيادة العليا

على الرغم من العقوبات الاقتصادية الصارمة التي تفرض علي إيران، فإنها تواصل توجيه سياستها خارج حدودها من خلال وكلائها، ومع وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي وتغيير القيادة، هل ستشهد هذه العلاقات أي تغيير؟

في نظام إيران، يتمتع رجال الدين بالسلطة المطلقة، وتعتبر إيران أن تعاملها مع وفاة رئيسي ووزير خارجيتها هو تأكيد على قدرتها على إدارة الأمور بسلاسة، فيلق القدس، الذي يدير جماعات الوكلاء، يعمل مباشرة أمام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وليس أمام الحكومة.

التحركات الأخيرة

في الساعات الماضية، اشتعلت المواجهات على الجبهة الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل. استهدف حزب الله أحد المواقع الإسرائيلية في الجليل الأعلى قرب الحدود مع لبنان، فيما تعرضت منطقة وادي حامول في القطاع الغربي وأطراف بلدة حولا جنوبي لبنان لقصف مدفعي من قبل الجيش الإسرائيلي.

مراقبون أكدوا أن هذه المناوشات التي تبدو كتصاعدًا في التوترات في المنطقة، حيث يستمر الصراع بين الجانبين، تعكس رغبة إيران في تأكيد استقرار سيطرتها على وكلائها.

وأضافوا أن الإشراف المباشر لفيلق القدس على الأنشطة الخارجية لإيران يعزز من استمرارية السياسات الإيرانية في المنطقة، حتى في ظل التغيرات على المستوى القيادي. تركز إيران على إظهار أن لديها هياكل قوية ومستقرة تمكنها من مواجهة التحديات الإقليمية والدولية دون الاعتماد على شخصيات محددة.

التأثير العرضي

يشير الخبراء إلى أن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان لن تؤثر بشكل كبير على العلاقات الإقليمية لإيران. هذا الاعتقاد مبني على أن الجماعات الوكيلة تعمل تحت إشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يرفع تقاريره مباشرة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بدلاً من الحكومة التي يرأسها الرئيس.

بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تزامن الإعلان عن وفاة رئيسي وعبداللهيان مع مناوشات بين حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية. كما أعلنت الفصائل العراقية، صباح الثلاثاء، أنها شنت غارة على قاعدة في إسرائيل. هذه الأحداث تشير إلى أن وكلاء إيران يحرصون على التأكيد أن العمليات المعتادة مستمرة.

تريتا بارسي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، يقول: “من الواضح أن هناك رغبة في إبراز صورة الاستقرار فيما يتعلق بخلافة رئيسي، وأنشطة الوكلاء جزء أساسي من هذه الصورة”.

 ويضيف بارسي، أن “إيران تدرك تمامًا أن البلاد قد تكون أكثر عرضة للخطر في هذا التوقيت، لذا من المهم أن تظهر أن لديها سياسات مؤسسية لا تعتمد على الأفراد، مما يعزز قدرتها على التعامل مع الأزمات”.

القيادة العليا هي الأهم في إيران

في إيران، حيث يمارس رجال الدين السلطة المطلقة، يكون تغيير القيادة العليا أكثر أهمية بكثير من تغيير الرئيس، وفقًا للخبراء، فإن تعاطي طهران العلني مع وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي يُعَدّ وسيلة للتأكيد على أن عملية خلافة آية الله علي خامنئي (85 عامًا) ستتم بسلاسة.

إميلي هاردينج، مديرة برامج الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تشير إلى أن فيلق القدس هو الذي يدير جماعات الوكلاء ويزوّدها بالأسلحة والتدريب والاستخبارات، مما يجعل من غير المتوقع حدوث تغيير كبير في تلك العلاقات. 

وتضيف هاردينج، التي عملت سابقًا في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أن إيران تعتبر أي نوع من الاضطرابات الداخلية فرصة لأعدائها، وبالتالي ستكون أكثر حذرًا في الفترة القادمة.

تتوقع هاردينج أن تكون إيران أكثر حرصًا على الرد بشكل حاسم إذا تعرض أحد وكلائها لهجوم خلال هذه الفترة، لتجنب الظهور بمظهر الضعف، وتزداد احتمالية الصدام نظرًا لأن معظم الجماعات الوكيلة أصبحت تتخذ قراراتها بشكل مستقل بشأن توقيت ومكان الهجمات.

توازن القوى في المنطقة

لا ترغب كل من واشنطن وطهران في الدخول في صراع مسلح مباشر، لكنهما كانتا على وشك ذلك في يناير الماضي عندما شنت فصائل عراقية هجومًا بطائرة مسيرة على قاعدة أمريكية في الأردن. منذ 7 أكتوبر الماضي، شنت المليشيات أكثر من 100 هجوم على القوات الأمريكية في المنطقة، وردت واشنطن بضرب مواقع في العراق وسوريا، لكنها تجنبت الضرب داخل إيران.

تعكس التحركات الإيرانية وتصرفات وكلائها أهمية القيادة العليا في الحفاظ على الاستقرار الداخلي والتأثير الإقليمي. بقاء الأمور تحت سيطرة فيلق القدس يضمن استمرار النفوذ الإيراني، بينما تُظهر طهران أنها مستعدة للتعامل مع أي تحديات تهدد استقرارها أو تهدد خلافة خامنئي.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن إيران ستواصل استخدام وكلائها لتعزيز موقفها الاستراتيجي دون الدخول في صراعات مباشرة، مما يعكس نهجًا مدروسًا في التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى