صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رجل سيتردد اسمه في التاريخ طويلا لاعتبارات مختلفة.
واحدٌ منها أنه سيُسجل له أنه الأوحد الذي نجح في التصدي للقوى “الإسلاموية” بكل منطلقاتها وتوجهاتها.
وفي هذا التوقيت لا بد من النظر لتلك اللحظة التي خلالها تعامل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع الإرهاب، ليس كظاهرة، بل مع النواة التي خرج منها التطرف الذي أشاح عن بشاعته في هجمات 11 سبتمبر 2001.
اتخذت الإمارات خطواتٍ جادة، بدأتْ بعملية القطيعة الكاملة مع الأيديولوجيا الدينية، وهذه هي نقطةُ القوة والارتكاز.
فلولا القطيعة ما كان يُمكن البدء في المواجهة المفتوحة مع تلك القوى الظلامية بمختلف تياراتها، لم يكن بالمقدور محاربة الإرهاب دون مكاشفة فكرية تستند على قوة العقل والمنطق.
والخرافات والدجل المستند إلى آراء متشددة كان لا بد وأن تتم مواجهتها بالضد، فيما يمتلك أهل الوسطية من الأدلة والحجج ما يتكفل بالمهمة الأساسية في كشف التزييف والتحريف في كتب التراث الإسلامي، باعتبارها موادّ لم تخضع للمراجعة والتدقيق، فإذا بها بين يدي أولئك الذين حاكوا منها آراء اعتبرت أنها “مسلمات دينية”.
العلم ثم العلم ثم العلم السلاح الأول لمواجهة القادمين من مجاهيل الظلام، حيث خرجوا من جحورهم ليشيعوا أفكارًا مسمومة شوّهت المجتمعات العربية وأخضعتها لعقائد منحرفة ضللت الناس، وأشاعت تخويفهم، حتى إنها وظفت تلك الحالة إلى السيطرة، إلى أن دفعت بالمجتمعات للعداء لمكنون الدولة الوطنية، وهو ما رسّخته جماعة “الإخوان” عبر قرنٍ كاملٍ من الزمن، بقيت فيه مهددة للبلاد العربية، بعد أن تسلل أفراد الجماعة إلى المؤسسات والكيانات، ومنها انتهجوا منهجًا اعتمد على التهديد المستدام، الأمر الذي صنع متلازمة أدت لضعف الدولة الوطنية وعدم قدرتها على التنمية نتيجة تلك التهديدات.
لم تكن “العشرية الظلامية” المعروفة بـ”الربيع العربي” غير نتيجة لعشرة عقود كاملة تراكمت فيها قوة الأشرار وصنعوا فيها تحالفاتهم ورسموا خططهم للانقضاض على العواصم المحورية في العالم العربي، وهو تم بشكل متسارع بإسقاطهم لمركز الثقل القومي في مصر.
وفيما كانوا يحاولون نسج خيوطهم على عواصم أخرى كان لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد موقف صارم، فالرؤية كانت واضحة، فلا يمكن منح هذه القوى جزءًا من الفرصة، فتحرك باتجاه القاهرة داعمًا لثورة 30 يونيو 2013، فخلاص مصر يعني تحطيم مخططات الأشرار، وكسرًا لتحالفاتهم.
الموقف الإماراتي الشجاع ارتكز على استشراف وواقعية اللحظة، حتى وإن بلغت أعلى درجات الخطورة.
فالقرار كان إما تبديد مخطط القوى الظلامية أو انتظار الدور، فكان القرار حاسمًا، وكان لا بد من المضي في طريق -وإن كان عسيرًا- غير أنه ضرورة لا مناص منها.
اتخذ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قراره وأمسك بزمام الخيوط ثم اتجه ناحية كل المتآمرين ليسقطهم بما امتلك من قوة فكرية، فلقد كانت الإمارات مستعدة لتلك الأوقات الصعبة بكثير من الجدية والصرامة، والأهم بعقيدة واضحة أن الإسلام دين رحمة ومحبة وتسامح.
في التاريخ المعاصر سيُسجّل اسم محمد بن زايد باعتباره الشخصية التي حملت على أكتافها العالم العربي وعبرت به من بين النيران.
جهود بددت مخططًا حِيكَ لقرن كامل، لكن أفشله رجل واحد كان مستعدًّا بالعلم والقوة، والأهم بالإيمان بأنه لا يمكن للفراغات أن تبقى ليتسلل منها الأشرار.
المعركة ما زالت قائمة، والدور الإماراتي لا يزال على حيويته ولم يتغير، ففصول المعركة متعددة وإدارتها تتطلب عزمًا متجددًا، ومواصلة في التعامل مع كل المحاولات مهما بلغت التحديات والمخاطر.
قليل هم الرجال الذين ينحني لهم التاريخ إجلالاً وتقديرًا، ومنهم محمد بن زايد، فهو اسم سيظل محفورًا في تاريخ السياسة باعتباره مدرسة مستقلة في التعامل مع تحديات جسيمة متعددة الامتدادات، التاريخ السياسي المعاصر لم يعرف شخصية استطاعت أن تجتاز المخاطر مع أعلى درجات الأمان والتنمية الاقتصادية لبلادها ومحيطها.
نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية