مؤتمر برلين وحماية الأمن القومي العربي
لم يكن مؤتمر برلين الذي يصادف اليوم مرور عام على انعقاده في العاصمة الألمانية لحل الأزمة الليبية مجرد مؤتمر عادي كسابقيه، أو مبادرة ساعية لحل الأزمة الليبية.
من وجهة نظري، أرى أنه بجانب السعي المصري والإماراتي لإعادة الاستقرار إلى الشعب الليبي ووقف نزيف الدماء والثروات الليبية والحد من سطوة تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا والمدعوم خارجيا، جاء المؤتمر ليحذر ويذكر بضرورة الالتزام بمحددات الأمن القومي العربي وركائزه والتهديدات والمخاطر المحدقة بجزء كبير من الوطن العربي.
وجاءت الجهود العربية في مؤتمر برلين منطلقة من إدراك ووعي عربي مثلته القاهرة وأبو ظبي بالتنبيه لما يحاك لخمس دول عربية تمثل ما يقرب من ربع عدد الدول العربية، وهي دول مهمة ومحورية تربطها بليبيا حدود مشتركة هي السودان ومصر والجزائر وتونس التي تعرضت جميعها لمحاولات ضرب استقرارها من مشروعات سياسية تسعى للسطو على ليبيا كمرتكز للانطلاق إلى الدول الأربع، تستهدف أمنها كهدف أول تحت زعم (دعم الثورات)، وتستهدف عروبتها كهدف ثان (بدعوات تختبئ في الدين وحقوق الأقليات الدينية والعرقية) وذلك وصولا للإجهاز على باقي المشروع العربي كهدف نهائي تسعى إليه مشروعاتٌ إقليمية تتمدد في المنطقة بدعم من بعض القوى الدولية الحالمة بتغيير خرائط المنطقة بما يتوافق مع أطماعها الاقتصادية والسياسية.
لذا وقبل شهور من تاريخ 18 يناير 2020 وبالتحديد في أغسطس 2019 مع بدء التحضير لمؤتمر برلين، ركزت الإدارتان في القاهرة وأبو ظبي في مباحثاتهما مع القوى الدولية الفاعلة في ليبيا والأطراف الليبية على وضع حدود للفلتان في ليبيا، والسعي لإنهاء الأزمة سياسيا وتركيز الجهود على حماية استقرار وأمن ليبيا وتأكيد ضرورة تفكيك الميليشيات الليبية المسلحة والتنظيمات الإرهابية (المتوارية في أثواب ثورية وسياسية )، مع الحد من تمدد تنظيم الإخوان الارهابي ونزع السلاح المنفلت خارج المؤسسات الشرعية ومكافحة الإرهاب على الأراضي الليبية ومنع التدخل في الشأن الليبي.
لذا ومن وجهة نظري الخاصة، فإن كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام في استقبال رئيس البرلمان العربي عادل العسومي جاءت مرسخة وداعمة لمفهوم العمل العربي المشترك ووحدة الموقف التي من شأنها تمكين الدول العربية من وضع خطوط واضحة لصون محددات الأمن القومي العربي مع تأكيد الدور الفاعل للبرلمان العربي للإسهام في ترسيخ الاستقرار باعتباره قوة دفع شعبية لمنظومة العمل العربي، وشريكا فاعلا في خدمة المصالح العليا للأمة العربية وتوثيق الروابط بين شعوبها.
وما كان المؤتمر المعني بحل الأزمة في ليبيا إلا مثالا واضحا وتأكيدا جديدا لوحدة الموقف العربي الذي يمثل امتدادا للخط الواصل بين القاهرة وأبو ظبي منذ عهد الخالديْنِ جمال عبد الناصر والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وجهودهما في صون محددات الأمن القومي العربي وركائزه إلى الآن بمواقفَ صلبةٍ وثابتةٍ بدأت ولم تنته ولن تنتهيَ بوحدة الموقف العربي السياسي والوجداني الداعم لمصر في أزمتها عام 1967 والتي دعا إليها وتبنّاها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وأبلغُ تعبير عن هذا الموقف وثباته هو قيام المغفور له الشيخ زايد صاحب المكانة الخاصة لدى المصريين بإرسال نجله وولي عهده وقتها في عام 1973 الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان؛ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا للتطوع في صفوف الجيش المصري للدفاع عن الأمن القومي العربي.
نقلا عن سكاي نيوز عربية