سياسة

ليبيا والاستحقاق الأهم


الحراك، الذي تشهده ليبيا على مستوى القوى والشخصيات والتيارات تأهبا لاستحقاق الانتخابات المقبلة، جزءٌ من ملامح غدها.

الشخصيات المنتمية لتنظيم الإخوان عبرت عن ذاتها وغاياتها بما لم يفاجئ أحدا في الداخل أو الخارج، إحساس مبكر بهزيمة مقبلة يدفعهم إلى العودة إلى أوكارهم وهرطقاتهم.. تحريض ضد استحقاق دفع الليبيون ثمنه غاليا.. إرادة داخلية وإقليمية ودولية التقت عند وجوب إنجاز انتخابات رئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل.. عبثا يحاولون الوقوف بوجهها أو عرقلتها.. انكشافهم خلال العشرية السوداء التي ضربت ليبيا وأهلَها فضح أدوارهم ووظائفهم.

الحراك، المتمثل في الاستعداد لخوض الانتخابات، يتجاوز برامج المرشحين.. لا يتوقف عند شخصية هذا، ولا عند خلفيات ذاك، إنه امتحان للإنسان الليبي.

شهدت ليبيا تموجات وانقسامات وتطورت إلى صراعات داخلية بين أجنحة متناقضة التوجهات والرؤى بشأن البلاد ومستقبلها.. في جميعها كان تنظيم الإخوان طرفا مشوِّشا ومعرقلا.. لم يقبل الشراكة في الحكم.. فجّر حروبا بهدف الاستحواذ على السلطة وحده.. حين طرقت الهزيمة أبواب معاقله، رهن جزءا من البلاد للأجنبي طمعا في إنقاذه وبقائه في الحكم.

في جميع نكساته وانتكاساته برهن التنظيم الإخواني على أنه حصان طروادة لقوى خارجية، أيُّ قوة لا يهم، المهم أن يستولي على السلطة ولو بشكل جزئي على مساحة من الأرض.. لا يعنيه تقسيم البلاد أو تناحر أبناء البلد الواحد من العباد.

الصورة النمطية للمجتمع الليبي ظلت عصية خلال السنوات الماضية على جميع محاولاته لتغييرها أو تشويهها أو تقديمها على أنها النموذج الأوحد كما يراه.. برزت قوى وطنية بمقوماتها السياسية والعسكرية متمسكة بمدنية هويتها وهوية بلادها.. حطمت محاولة الاستحواذ الإخواني على المشهد العام في ليبيا مجتمعا وسلطة.. وسّعت دائرة حضورها العربي والإقليمي والدولي.. شكّلت جناحا واضحا قوي الحضور على الأرض.. طرحت برامج وطنية استقطبت كيانات ومكونات واسعة من شرائح المجتمع الليبي.

أسهمت هذه القوى الوطنية في تأجيج إحساس الإنسان الليبي بانتمائه الوطني.. أفصحت عن رغبات كامنة لدى الكثير منهم بتجاوز ضيق الانتماءات الحزبية.. تشكلت منصات تعبير لا حدود لأعدادها وتنوعاتها وثقافاتها تدلي بدلوها في ما يخص قضايا الإنسان الليبي، حاضره، مستقبله.

الرهان على سطوة هذا الحزب أو تلك الشخصية لم يعد له متسع في ليبيا.. معاناة الليبي خلال عقد من الاضطرابات منحته نوعا من المثابرة على تجاوز عُقَد الخوف مما يحيطه من مخاطر.. نقلته إلى مساحة أخرى تجعله قادرا على ارتياد دروب الفعل والـتأثير والأمل في بلوغ مُناه بالمشاركة في التخطيط لمستقبله وتأمين متطلبات حاضره.

مسلسل الانهيارات المدوية لأذرع تنظيم الإخوان في محيط ليبيا تزامن مع تراجع غطاء القش الإقليمي الذي كانوا يتلحفون به، وهذا ماثل في أذهان الليبيين.. صداه منعكس في تنامي مواقف الغالبية ومطالبهم بدولة وطنية مدنية دستورية لا وجود فيها لتيارات أو نزعات جهوية أو حزبية أو قبلية.

أمام أول ريح شعبية وطنية في تونس، في مصر، في المغرب، تبدد جمع أذرع تنظيم الإخوان وتناثر شملهم.. أكثر من مكان لفظهم بعد أن قدموا النموذج الأسوأ في تجارب السلطة وممارستها، بمن فيهم الجناح الذي أدار قسما من البلاد.

القصة باختصار: تآكل من الداخل. لم يسعَ أحد من الخارج إلى هز سلطاتهم.. لا بد أن يتمثل الليبيون ذلك وهم يحثون خطاهم نحو استحقاق بمنزلة الأمل المنشود ليضعوا حدا لمأساتهم المتشعبة اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا وأمنيا.

الإنسان الليبي بات على موعد لا يتكرر إلا بعد سنوات أربع.. إنها فرصة استثنائية لمواجهة ذاته أولا بصفتها ذاتا عاقلة ومسؤولة من خلال حسم خياراته الوطنية كونها السبيل الأكثر تعبيرا عن دوره في صناعة مستقبله ومستقبل بلاده.

صورة ليبيا الجديدة تتشكل.. فرصة تبدو الأهم على درب مستقبل ليبيا والليبيين.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى