سياسة

ما دلالات أول قرار لحكومة الدبيبة بعد نيلها ثقة البرلمان الليبي ؟


بعد نيلها ثقة البرلمان، الأسبوع الماضي، لم يتأخر القرار الأول لحكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة، والذي صدر مطلع الأسبوع الجاري، حاملاً معه دلالات عدة كاشفة عن أولويات حكومية موازية لوظيفتها الأبرز؛ وهي تهيئة الأجواء الداخلية تمهيداً لإجراء الانتخابات والعمل على إتمام المصالحة الوطنية.

القرار الأول لحكومة دبيبة (رقم 1 لسنة 2021) نص على إيقاف الحسابات الخاصة في الشركات العامة والصناديق الاستثمارية.

وجاء في نص القرار “حرصاً من حكومة الوحدة الوطنية على الحفاظ على المال العام ومن أجل تلافي أية شبهات للفساد والتصرف في أموال الدولة بدون وجه حق، ومن واجب المسؤولية الملقاة على عاتق حكومة الوحدة الوطنية، يطلب من جميع الصناديق الاستثمارية والشركات التابعة لها بالإضافة إلى الشركات العامة إيقاف حركة حساباتهم مؤقتا، إلى حين صدور ما يلغيه ويستثنى من ذلك ما يتعلق منها بمصروفات الباب الأول من الميزانية”.

دلالات

حمل القرار الأول للحكومة عدة دلالات، فبدت السلطة الجديدة عازمة على اتخاذ خطوات جادة ضد الفساد المستشري بالبلد، طبقاً لما أكده محللون ليبيون في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”.

وفي الوقت الذي لا يختلف فيه الليبيون على حقيقة تفشي الفساد بصورة غير مسبوقة بالبلد، كنتيجة للتوترات والانقسامات التي شهدتها ليبيا طيلة الأعوام السابقة، والتي تمخضت عن أزمات كارثية يدفع ضريبتها الشعب الليبي، فإن الآراء تباينت حول مدى قدرة حكومة دبيبة على اتخاذ خطوات مؤثرة وفاعلة للتصدي للفساد، خاصة في ضوء الفترة القصيرة التي تعمل خلالها، والمهمة الأساسية المكلفة بها، للعبور بليبيا حتى إجراء الانتخابات.

وفيما يعتقد مراقبون أن الحكومة “لن تبدأ من الصفر” في مسألة مكافحة الفساد، في ظل وجود تقارير جاهزة يمكنها الاستناد إليها واتخاذ خطوات عملية ضد الفساد، لا يرى آخرون الفرصة سانحة لذلك، في ظل الانقسام الداخلي وانتشار الميلشيات.

ويشدد المتابعون على أن فتح ملفات الفساد والدخول في “عش الدبابير” يحتاج قدراً أكبر من الاستقرار، كما يحتاج لمؤسسات موحدة وأجهزة رقابية وأمنية وقضائية موحدة ومستقرة وقادرة على العمل بشكل أوسع في ذلك الملف الشائك.

مكافحة الفساد

وتعليقاً على قرار الحكومة الأول، يقول نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا سابقاً، عبد الحفيظ غوقة، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “القرار يعكس رغبة الحكومة في مكافحة الفساد؛ لأن الليبين يتحدثون عنه بشكل صريح، لا سيما في ظل التقارير الصادرة عن الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة، والحجم الهائل للفساد والاستهتار بأموال الليبيين (..) وبالتالي نرى أن هذا القرار يمثل خطوة جيدة ويجد تأييداً واسعاً في صفوف الليبيين، على اعتبار أن الفساد بلغ حداً غير مسبوق في ليبيا”.

ويرى أنه “على الحكومة أن تتبع هذا القرار بخطوات أخرى مرتبطة بمحاربة الفساد أيضاً والتدقيق في القرارات الدولية ذات الصلة”، مشيراً إلى وجود تقارير بخصوص الفساد لم يتم الكشف عنها بعد”.

كما يوضح، في الوقت ذاته، أن حكومة دبيبة يمكن أن تلعب دوراً في عمليات مكافحة الفساد رغم الهامش الزمني الضيق، ذلك أنها لن تبدأ من الصفر، فثمة تقارير مختلفة واضحة تعكس حجم الفساد، من بينها تقارير دولية، علاوة على ما قدمه غسان سلامة؛ المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا، من إحاطات، فكل ذلك يبين بوضوح حجم استشراء الفساد.

ويلفت غوقة إلى أن “الحكومة الحالية يمكن أن تنطلق من تلك التقارير، فإذا أرادت فعلاً أن تكسب ثقة الليبيين عليها مواجهة هذا الفساد، ومواجهة العبث بأموال الليبيين، والعمل على استثمار وتوظيف تلك الأموال في مصلحة الليبيين على نحو مغاير لما كان يحدث طيلة الأعوام الخمسة الماضية، التي تم خلالها إهدار الملايين دون طائل ودون مشاريع لخدمة الليبيين مثل تحسين أوضاع شبكة الكهرباء أو غيرها، مما قاد إلى أوضاع متردية”.

عملية صعبة

لكن في المقابل، يقول السياسي الليبي، أحمد الصويعي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن ملف مواجهة الفساد يعتبر تحدياً كبيراً، لأن الفساد استشرى في جهات الدولة كافة، لا سيما في الجهات التي تقدم خدمات لليبيين، ومع هذا التغلغل الواسع للفساد فإن محاربته أو حتى الحد من انتشاره ليست بالعملية السهلة بين عشية وضحاها، لكنه يحتاج إلى جهد كبير “ولا أعتقد أن عمر الحكومة الحالية القصير يسمح لها بذلك”.

ويضيف الصويعي أن الحكومة الحالية يُناط بها ملفان رئيسيان؛ أولهما تهيئة الطريقة لإجراء الانتخابات في 24 من شهر ديسمبر المقبل، والثاني: وربما هو أولوية مقدمة على الملف الأول، مرتبط برعاية مصالحة وطنية شاملة ورأب الصدع بين الليبيين.

ويخلص السياسي الليبي إلى أنه في حال “نجحت الحكومة في تهيئة الظروف المناسبة للانتخابات وإقامة مصالحة وطنية، وإذا نجحت في تحقيق الحد الأدنى من هذه النقاط، فإنها بذلك تكون قد نجحت في المهمة الموكلة إليها والسبب الذي اختيرت لأجله”.

أما ملف مكافحة الفساد، فيرى الصويعي أنه يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وأجهزة رقابية وكذلك أجهزة قضائية قادرة على أن تقول كلمة الفصل، مشدداً على أنه “عندما تتوحد المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، يمكن أن تقف على أقدامها وتنفذ القانون بشكل صارم”.

مؤسسات قوية

وفي السياق ذاته، يقول الكاتب والمحلل السياسي الليبي فايز العريبي: “إن محاربة الفساد ملف شائك، وفتح هذه الملفات بالتأكيد يحتاج إلى حكومة تكون مسنودة بمؤسسة أمنية وعسكرية كبيرة، لا سيما في ظل وجود الميليشيات وتغوها وسيطرتها، وهكذا يظل الملف شائكاً ما لم يكن هناك دعم واسع، وكذلك دعم دولي في فتح هذه الملفات”.

ويردف أن “الحكومة لا تزال في أيامها الأولى، وبالتالي أعتقد بأن كثيراً من التحديات تواجهها، وأهم ملفاتها الآن التجهيز للانتخابات، ومن ثمّ أعتقد بأنها لا تستطيع العمل على ملفات كبيرة في خطوط متوازية.

ويرجح الباحث أن تركز حكومة دبيبة على موضوع الانتخابات باعتباره أولوية”، موضحاً في السياق ذاته أن ديوان المحاسبة وثق كل هذه الانتهاكات وتغول الفساد الذي لحق بالمال العالم الليبي، وفتح هذه الملفات يحتاج أجهزة أمنية وعسكرية لملاحقة الفاسدين وتطبيق القرارات عليهم بحزم”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى