سياسة

الدبلوماسيون الإماراتيون.. بارعون وشجعان

هاني سالم مسهور


كي يصبح لديك تأثير سياسي فاعل في منطقة الشرق الأوسط، فهذا يتطلب وجود قواعد ومبادئ وقيم وتجارب تراكمية تستند إليها في أن تكون فاعلاً بالغ الأثر في هذه المساحة التي استدامت فيها الصراعات والنزاعات بامتدادات تاريخية طويلة.

جعلت من الحياة في نطاق جغرافيتها تحدياً آخر يضاف لتحديات الدول، ولذلك لا بد من الحديث عن الدبلوماسية الإماراتية من زاوية محركيها وشاغليها والمحركين لسياسات الشرق الأوسط والعالم.

لاستيعاب الحركة الدبلوماسية الإماراتية لا مناص من استعادة صفحات التاريخ السياسي لمؤسس الدولة الاتحادية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- فالرجل استطاع بحنكة وحكمة استيعاب قرار بريطانيا الجلاء عن مستعمراتها في شرق السويس، وانتهز اللحظة المواتية لتمكين بلاده من إعلان الاستقلال الوطني وفقاً لمعايير فيدرالية فريدة، وما زالت مستفردة في الشرق الأوسط.

هذه إشارة أولى لاستيعاب قدرة السياسي الإماراتي الأول في الممارسة السياسية الواقعية، هذا الركن الركين الذي طالما استندت إليه قرارات السياسة الإماراتية، ومنها تحركت وتفاعلت مع بدايات الاتحاد.

ويمكن التدليل على واقعية السياسي الإماراتي بقرار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- زيارة عاصمة اليمن الجنوبي، عدن، عام 1977، بعد أن أعطت عدد من البلدان العربية ظهرها لتلك العاصمة التي اتخذت اليسارية نهجها في الحكم، مما أوقعها بعزلة كُسرت بزيارة رسمية إماراتية فتحت من بعدها أبواب العواصم للجنوبيين.

السياسة الراشدة تمتلك الشجاعة، فالعقلانية وحدها تستطيع التغيير فيما يعتقد أنه لا يتغير، فمن هذا المنطق يمكن استيعاب القدرة الدبلوماسية الإماراتية في التأثير السياسي مع تنمية نوعية للقوة الناعمة بمختلف أذرعها الاقتصادية والثقافية، مما جعل الحركة المجتمعية بكتلتها البشرية تمتلك الخصائص الديناميكية في التعامل مع الظرفيات السياسية مهما بلغت التعقيدات.

ومن خلال القوة الناعمة استطاعت الإمارات اكتساب ثقة دول العالم، ومنها أخذت تتحرك دبلوماسياً بواقعية وباستقراء الاحتمالات المستقبلية.

دائرة الحركة الدبلوماسية الأكثر سخونة كانت مع العشرية الإسلاموية، وهي الحقبة التي أظهر فيها الدبلوماسي الإماراتي براعة ودهاء في موضوعية القراءة للأحداث والشجاعة في اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة.

من إسناد ثورة 30 يونيو 2013 المصرية، أوضح الإماراتيون ما يمتلكون من قوة سياسية وتأثير فاعل. السياسيون الإماراتيون يعرفون تماماً متى يفتحون النوافذ السياسية ويمتلكون القدرة الهائلة في تدوير الزوايا مع أكثر الملفات تعقيداً، فهم يمتلكون صبراً طويلاً حتى ينقضّوا على اللحظة المواتية لتحقيق أعلى ما يمكن من المكتسبات.

الاتفاق الابراهيمي لن يكون سوى واحد من محركات السياسة في القرن الحادي والعشرين.. فالاتفاق فتح المسارات المغلقة وفتح التسويات الممكنة.

التحولات في هذه المنطقة قادمة، ولن يكون الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وانتهاء عملية “برخان” الفرنسية في أفريقيا غير مقدمات تتطلب تحريك للزوايا وتفكيك للعقد السياسية، فملء الفراغات في العالم العربي يحتاج إلى دبلوماسية عقلانية، تعي مخاطر الفراغ، وأنه لا بد من استعادة سوريا محيطها العربي، وترميم الجسور التي تهدمت بين العواصم الفاعلة، مع تأكيد الالتزام بالأمن القومي العربي، وهو ما تعمل عليه الإمارات ضمن محور الاعتدال.

رصيد الدبلوماسية الإماراتية يُرشحها للعب الأدوار الأهم حول العالم، فحين تبدأ مهمتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، سيتطلع العالم إلى الدبلوماسية الإماراتية بانتظار حلول غير تقليدية من بلد غير تقليدي وضع الكثير من العلامات الإيجابية في سياساته الدولية، وتظل مراكز التفكير الاستراتيجي في الإمارات فضاءات رئيسية لتكوين الرؤى للسياسات وتفكيك العقد في الملفات، ثم هنيئاً لهذه البلاد دبلوماسيوها البارعون الشجعان.

نقلا عن الاتحاد الإماراتية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى