سياسة

لبنان ومشكلة إهدار الوقت

فهد ديباجي


لبنان ليس في حاجة إلى أزمة أخرى تزيد أوجاعه، ولا إلى مزيد من الخراب والعزلة، على الأقل ليس بسبب وزير يعرف السياسة اسما وقشورا.

فوزير الإعلام اللبناني كانت تسحره الجُمل الجاهزة، التي كان يكتبها له غيره، ثم انتقل من مقدم برامج تسلية إلى وزير إعلام في حكومة مشلولة يحركها حزب يملك قوة عسكرية استعارها من إيران، ذلك الحزب الذي يُجيد خطاب تخوين معارضيه تحت شعارات زائفة.

كثيرون يرون أن نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة اللبنانية، أخطأ مثله مثل غالبية المسؤولين والسياسيين في لبنان الهدف والبوصلة، مهما حاول أن يُكثر خطابات الاستجداء والتصريحات، فقد ارتضى أن يترأّس حكومة من تلك الحكومات، التي قادت لبنان إلى الجحيم، ولا يمكن أن يعلو صوتها فوق إرادة تكريس هيمنة “حزب الله” الإرهابي على القرار اللبناني وتعريته من الغطاء الوطني، في ظل حقيقة ثابتة وواضحة مفادها أن “حزب الله” والدولة في لبنان يستحيل أن يتعايشا، نظرا لتناقضهما مفهوما وتطبيقا.

ويواجه لبنان، الغارق بالفعل، انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، وخروجا من الحسابات الخليجية بما يفوق في تداعياته السلبية أزمة انفجار مرفأ بيروت، فضلا عن خلاف فاقمَ التوتر في علاقات بيروت مع داعمين ومانحين لم يقصروا قطّ مع شعبه الذي يعاني، إلا أن تصريحات وردود فعل الحكومة اللبنانية تكشف مدى الضعف الذي تعيشه، ورغم كل الهوان والترهل الحكومي في لبنان، مخطئ مَنْ يعتقد أن بإمكانه أخذ اللبنانيين إلى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصُّعُد مع الدول العربية عموما، ودول الخليج العربي خصوصًا، إلا أن “حزب الله” يعمل جاهدًا لفعل ذلك ولا يرى غير ذلك مناسبا له ولمشغّليه مهما كانت العواقب على لبنان، فهو لا يرضى إلا بوزراء وحكومات تتماشى وتتماهى معه، حكومات مختطفة عقائديًا، وتغطي سياسة إيران في المنطقة، ليتحول لبنان إلى بلد محتل، وإلى ولاية تابعة لطهران، والحزب بالطبع هو الوسيط الذي ينفذ ذلك.

اللبنانيون كشعب سئموا من “حزب الله”، فاقد الشرعية والأكثر تطرفًا، ومن كل ممارساته، وسئموا الوضع الكارثي، الذي وصلوا إليه، بعدما استنفد الحزب كل روتين في جعبته من خطب وتخريب سياسي وتعنت برلماني ليقود البلد من فشل إلى آخر، حتى بات القلق والخوف واضحين من الانزلاق ودق طبول الحرب الأهلية في لبنان، والتي أسهم اتّفاق الطائف سابقا في وضع حدّ لكلّ نزاعاته وأسبابه.

حتى الآن لم يجد “لبنان الدولة“، الذي تحيطه التهديدات، مَن يُداوي جراحه والأزمات تحاصر شعبه، وصار الجميع على قناعة تامّة بأن أمن وسلام لبنان ليس ممكنًا مع كل ما يمس ويهدد جيرانه وعروبته بسوء، فما يحدث اليوم في لبنان يشير إلى أحداث مأساوية متلاحقة، وكل يوم تتزايد الخشية من عودة مسلسل الرعب الإرهابي، الذي يُدار من الضاحية الجنوبية، و”المقاومة” التي زعمها وفرضها “حزب الله” بلُغة متعالية على اللبنانيين، باعتباره البديل لكرامتهم وحريتهم وكل أساليب العيش، التي يتبعونها، والتي قيل إنها “من أجل لبنان”، لكن واقعها يقول إنها ليست إلا استسلاما للحزب وهيمنته واستيلائه على لبنان بزعم “المقاومة”، لهذا نجد أن كلمة رئيس الوزراء اللبناني مؤخرا لا تخرج عن هذا الإطار، فقد تجاهلت تمامًا أساس المشكلة، ووجهت الأنظار إلى مشكلة فرعية، ليس لها وزن في الحلول، التي تقول الحكومة اللبنانية إنها تسعى إليها.

فهل صارت الأزمة اللبنانية عصية على الحل؟ وهل لبنان صار البلد، الذي لا يتغير فيه شيء رغم كل هذه الأزمات؟! وهل يستمر لبنان في مشكلة إهدار الوقت والفرص؟ وهل يستمر الشعب اللبناني في الخضوع أمام “فائض القوة” لدى مليشيا “حزب الله” أم يواجه ويفرض هيبة الدولة والقانون؟ وهل يخرج من بين كل هذه الطغمة الحاكمة أي رجل ليقلب الطاولة رأساً على عقب ويقول: نعم أخطأنا وأفسدنا ودمّرنا وقتلنا وهجّرنا، وحان وقت الرحيل؟ أم لبنان لا يملك سوى خيار الخنوع، على الأقل حتى إشعار آخر؟

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى