فن و ثقافة

كيف فرض “الراب” نفسه على الساحة الغنائية بالمغرب؟


استطاع فن “الراب” أن يحجز لنفسه مكانًا مميزًا وسط الألوان الموسيقية المتنوعة بالمغرب بفضل جيل من المبدعين الشباب، وذلك رغم الانتقادات التي تطال بعض فناني هذا النمط الموسيقي المليء بالصخب.

وبعدما كان يُنظر إليه نظرة دونية، ويوصف بـ”الدخيل” خلال أواخر التسعينيات، أصبح فن “الراب” المغربي في زمننا هذا يحقق نجاحًا باهرًا ويجذب الانتباه العالمي من خلال منصات البث.

وبشكل دائم، تحتل أغاني “الراب” صدارة “الترند” في موقع “يوتيوب” بالمغرب؛ ما يطرح التساؤل حول أسباب انتشار هذا الفن خصوصًا بين الجيل الناشئ وجيل الشباب.

مجموعة "آش كاين"
مجموعة “آش كاين”متداول

صراع الأجيال

وكان من أوائل من اشتهروا بهذا اللون الموسيقي بالمغرب، توفيق ‪حازب المعروف بـ”دون بيغ” بمدينة الدار البيضاء (غرب)، و”مسلم” بمدينة طنجة (شمال)، ومجموعة “آش كاين” بمدينة مكناس (وسط)، وغيرهم

وأصدر هؤلاء في بداية ظهور “الراب” بالمغرب مجموعة من الأغاني التي استعملوا فيها كلمات حادة بالعامية المغربية وجريئة في بعض الأحيان.

ومع مرور السنين بدأ هذا الفن يجذب اهتمام الشباب والمراهقين بسبب تعبيره عن مكنونات الناس.

وفي السنوات الأخيرة، غيّر مجموعة من الفنانين وجه “الراب” المغربي بشكل تام من خلال إيقاعات جديدة، وفي مقدمتهم النجم “إلغراندي طوطو” صاحب الأرقام القياسية.

ويتمتع “طوطو” بشعبية واسعة داخل وخارج المغرب، ومعظم جمهوره من فئة الشباب.

المغني الغراندي طوطو

لكن ينتقد النجم المغربي، لاستعماله بعض العبارات البذيئة في أغانيه والخروج بتصريحات غير متزنة تُدخله في دائرة الجدل.

ورغم أنه مثير للجدل، حصل “إلغراندي طوطو” في وقت سابق، على جائزة القرص الذهبي، بعدما نالت نسخته من أغنية Love Nwantiti برفقة المغني النيجيري CKay، أكثر من 100 مليون استماع على منصة “سبوتيفاي”.

وتصدر “إلغراندي طوطو“، العام 2021، قائمة الأكثر استماعًا في العالم العربي بفضل ألبومه “كاميليون”. وصنفته مجلة “فوربس” الشرق الأوسط ضمن نجوم الموسيقى العرب لسنة 2021.

“بعض أصحاب هذا الفن بالمغرب أو كما يطلق عليهم “الرّوابّة”، يضبطون إحداثياتهم الفنية ويحرصون على الجودة في المضمون”.
الشاعر سعيد متوكل

فن يشبه جيله

ويرى الشاعر المغربي سعيد متوكل، أن فن “الراب” بالمغرب هو أداة من أدوات التعبير في العصر الذي نعيشه، مشيرًا إلى أن هناك عوامل عديدة أدت إلى انتشار هذا الفن بالمملكة.

ومن ضمن الأشياء التي أسهمت في انتشار “الراب” بالبلاد، يوضح متوكل إقبال الشباب المغاربة على الفنون والإبداع، لافتًا إلى أن الخريطة الديمغرافية بالمملكة تتسم بالفتوة؛ ولهذا نجد أن فن “الراب” له شعبية واسعة ويتابعه فئة عريضة من الشباب.

وشدد المتحدث، على أن “شباب اليوم يريدون العيش بصخب، وكلمات فن الراب وإيقاعها السريع يتماشى مع نظرتهم ولغة عصرهم”.

وأكد الشاعر المغربي أن “التعددية الفنية صحية ولكن مع التمحيص، وهكذا سنفرز واقعًا ثقافيًّا نحن في أمسّ الحاجة إليه”.

ويعتقد متوكل أن فن “الراب” بالمغرب أخذ بطريقة عفوية “صيغة الاحتجاج الحاد. وهو انعكاس أو رد فعل على واقع معين”، مشددًا على أنه “من حق الناس أن تحتج. ولكن عندما تحتج على واقع سياسي أو ثقافي بطريقة لا تليق أخلاقيًّا حينها يسقط فنان الراب في التناقض لأن اللغة وعاء للفكر”.

مغني الراب "دون بيغ"
تونس.. توقيف مغني الراب الشهير “جي جي أ” بتهمة تعاطي المخدرات

إشكالية النص

ورأى الشاعر متوكل أن اللغة الإبداعية في بعض نصوص أغاني “الراب” حاضرة بقوة. ولكنَّ هناك نصوصًا كثيرة تكاد تُجْهز بشكل مطلق على منظومة القيم في البلاد. وهذا ما ينعكس على فن “الراب” بشكل سلبي. على حد تعبيره.

وزاد متوكل “من باب الانصاف أن بعض أصحاب هذا الفن بالمغرب أو كما يطلق عليهم “الرّوابّة”. يضبطون إحداثياتهم الفنية ويحرصون على الجودة في المضمون وفي التناول وغيرها”.

وفي هذا السياق، أردف المتحدث “إصدار أغنية تخاطب الروح والأنفاس بغض النظر عن اللون الموسيقي المعتمد تعد قيمة جمالية”.

ما قد يعيبه المتتبع – يردف متوكل – هو أن بعض النصوص في فن “الراب”. تكون جميلة، لكن أحيانًا يتم تعكيرها بكلمات وعبارات نابية. ويُفسر ذلك بمحاولة صاحب الأغنية البحث عن الشهرة”. مبرزًا دور النقد البناء في فن “الراب” لتسليط الضوء على مكامن الخلل بلا خلفيات.

المطلوب اليوم – يستطرد متوكل – أن يعطينا أصحاب هذا الفن نصًّا شعريًّا يتحول إلى أغنية “راب”. مع الحفاظ على الشروط الإبداعية للنص الشعري. وأهم شرط إبداعي إضافة إلى الصورة الشعرية هو أن تُطرب. بمعنى أن نسمع الموسيقى في الشعر قبل أن يُغنّى”.

وأشار المتحدث إلى أن “التقنيات الجديدة تُضفي على أغاني الراب إبداعًا إضافيا. لأن هذا زمن الفيديو وهو من أدوات العصر”.

“لا عيب في التقليد، ولكن المطلوب أن يكون هناك اجتهاد. وأن تتضمن كلمات أغاني “الراب” صورًا شعرية””
الشاعر عبدالإله شوقي

“موجة تقليد”

من جهته، اعتبر الشاعر والزجال المغربي عبدالإله شوقي. أن فن “الراب” بالمغرب هو عبارة عن تقليد الشباب للغرب. من حيث الموسيقى والإيقاعات بل وحتى اللباس.

وأضاف شوقي في تصريح لـ”إرم نيوز” أن هذا التقليد .تحوَّل إلى موجة جعلت الشباب يفضلون فن “الراب” على باقي الألوان الموسيقية.

وزاد المتحدث “لا عيب في التقليد، ولكن المطلوب أن يكون هناك اجتهاد. وأن تتضمن كلمات أغاني “الراب” صورًا شعرية”. مشيرًا إلى أن “العصر الذي نعيشه هو عصر موجة “الراب” وهذا أمر لا يمكن إنكاره. بعدما كان في السابق عصر الفن المجموعاتي”.

وأكد شوقي، أن “الشباب بالمغرب يفضلون هذا اللون الموسيقى بنسبة عالية. بحيث إذا سألت أي أحد ما اللون الموسيقي الذي تفضله؟، سيجيبك: الراب”. قبل أن يستدرك “لكن ما تحسه هو أن هناك جرعة عالية من التأثر بالآخر في أعمال الراب”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى