قيس سعيد.. مطالبات بالتنحي بعد ضعف الإقبال على الانتخابات
دفعت نسبة الإقبال الضعيف على الانتخابات التشريعية في تونس بعض الأحزاب المعارضة وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية إلى مطالبة الرئيس قيس سعيد بالتنحي عن منصبه. في خطوة تصعيدية جديدة من شأنها أن تواجه برفض شعبي للعودة إلى ما قبل 25 يوليو الماضي.
وأعلنت السلطات في تونس أن 8.8 بالمئة فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية. بعد أن قاطعت معظم الأحزاب السياسية الاقتراع ووصفته بأنه مهزلة تهدف لتدعيم سلطات الرئيس قيس سعيد.
وجاءت نسبة الإقبال الأولية أقل من معدل التضخم الذي يبلغ 9.8 بالمئة، مما يسلط الضوء على الضغوط الاقتصادية التي تسببت في خيبة أمل العديد من التونسيين من السياسة وغضبهم من القيادات.
وقال ائتلاف جبهة الخلاص الوطني المعارض في تونس إن الإقبال المنخفض للغاية يعني أن قيس سعيد فقد الشرعية وعليه أن يترك منصبه، ودعا إلى احتجاجات واعتصامات حاشدة.
وتسعى جبهة الخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي التي يعتبرها سياسيون واجهة سياسية لحركة النهضة الإسلامية إلى استثمار النسبة الضعيفة في الانتخابات في تأليب الشارع على الرئيس سعيّد. فيما لا تعبّر هذه الانتخابات على شعبية الرئيس الذي يتصدر استطلاعات الرأي سواء في على مستوى الانتخابات الرئاسية أو على مستوى ثقة التونسيين حيث يحظى بنسبة 62 بالمئة.
وطالب أيضا حزب الدستور الحر الذي يحظى بقاعدة جماهيرية كبرى الرئيس سعيد بالتنحي.
وقالت عبير موسى زعيمة الحزب وهي من أنصار الرئيس السابق زين العابدين بن علي إن “أكثر من 90 بالمئة قالوا نرفض الاعتراف بمشروعه”.
وأضافت “نطالب بإعلان الشغور في منصب الرئيس والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة”.
كما طالبت رئيسة الدستوري الحر باستقالة حكومة نجلاء بودن واكتفائها بتصريف الأعمال إلى حين اجراء انتخابات حرة تفرز حكومة شرعية.
إضافة إلى تجميد هيئة الانتخابات الحالية وغلق مقراتها وحجز كل ما لديها من ملفات ووثائق ووضعها على ذمة النيابة العامة ووقف صرف الأموال المرصودة لها وإيقاف العملية “الإجرامية” التي تقودها حاليا ورفع الحصانة على أعضائها والتدقيق الإداري والمالي في أعمالها إلى حين تشكيل تركيبة جديدة محايدة ومستقلة تتسلم المهمة.
كما جددت الدعوة للقوى المدنية لإمضاء الميثاق السياسي وإعلان رفض العودة إلى مربع التوافق مع الإخوان والانطلاق في الإعداد لمشهد سياسي وطني مدني يحافظ على مكاسب دولة الاستقلال ويتدارك الكوارث الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تسببت فيها منظومة ربيع الخراب والدمار خلال العشرية الفارطة.
وأعلنت أن الحزب يحتفظ بحقه في التصعيد طبق السبل المتاحة قانونا لفرض تنفيذ الإرادة الشعبية الرافضة لحكم الإخوان ومنظومة قيس سعيد الفاشلة والمدمرة للمؤسسات.
في الوقت ذاته، دعا عبدالرزاق الخلولي رئيس المكتب السياسي لـ”حراك 25 يوليو”، الداعم لقيس سعيّد، في تصريح لإذاعة “موزاييك” المحلية إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، بعد تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات التشريعية.
واعتبر الخلولي في المقابل أن هذه النسبة لا تمس بشرعية أو مشروعية قيس سعيّد وهي غير مرتبطة به أو بشعبيته بل مرتبطة بأطراف حزبية وسياسية ونظام انتخابي ضعيف وغياب التمويل العمومي.
ويرى الخلولي أنّه اعتماداً على قراءة أولية بالظروف والمناخ الذي جرت فيه الانتخابات والأسباب المتراكمة، فإنّ نسبة المشاركة متوسطة وليست ضعيفة، دون أن يعني ذلك القبول بهذه النتائج.
وقال عبدالحميد ناجي بينما جلس بالقرب من مركز اقتراع صباح السبت “لماذا أصوت؟ … لست مقتنعا بهذه الانتخابات… في الانتخابات السابقة كنت أول من يصل… لكنني الآن غير مهتم”.
وتأتي الانتخابات بعد مرور 12 عاما على اليوم الذي أضرم فيه بائع الخضر محمد البوعزيزي النار في نفسه في احتجاج أشعل فتيل انتفاضات الربيع العربي وجلب الديمقراطية إلى تونس.
لكن هذا الإرث الديمقراطي سقط في براثن مزيد من الشكوك بسبب سلسلة من التغييرات السياسية التي أجراها الرئيس قيس سعيد منذ أن حل البرلمان السابق الأقوى في يوليو تموز 2021 وانتقل إلى الحكم بمراسيم، وسيطر على المزيد من السلطات.
وصاغ سعيد، وهو أستاذ سابق في القانون وكان سياسيا مستقلا عندما انتخب رئيسا في 2019، دستورا جديدا هذا العام أدى إلى إضعاف سلطات البرلمان، إذ جعله تابعا للرئاسة لا يتمتع سوى بقدر ضئيل من النفوذ على الحكومة.
ووصف الرئيس تعديلاته السياسية على أنها ضرورية لإنقاذ تونس من سنوات من الشلل السياسي والركود الاقتصادي، وحث صباح اليوم السبت الناخبين على المشاركة في الانتخابات.
وقال إن هذه “فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة”.
لكن لم يعبر سوى القليل من التونسيين الذين تحدثت معهم رويترز خلال الأسابيع الأخيرة عن اهتمامهم بالانتخابات، معتبرين أن البرلمان الجديد ليس له جدوى وأن التصويت يصرف الانتباه عن أزمة اقتصادية تدمر حياتهم.
وسيمنح الإقبال الضعيف جدا على التصويت السبت منتقدي سعيد ذخيرة للتشكيك في شرعية ما يجريه من تغييرات سياسية.
ومن المحتمل أن يمثل ذلك مشكلة للرئيس في الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية مثل خفض الدعم للحصول على إنقاذ دولي لمالية الدولة.
وانكمش الاقتصاد بأكثر من ثمانية بالمئة خلال جائحة كوفيد-19، وسار التعافي بخطى بطيئة. واختفت بعض المواد الغذائية والأدوية الأساسية من على الأرفف، ويخوض المزيد من التونسيين تجربة العبور غير المشروع للبحر المتوسط المحفوفة بالمخاطر بحثا عن حياة جديدة في أوروبا.
اتهمت الأحزاب السياسية التي هيمنت على البرلمان السابق، والذي انتخب في عام 2019 بنسبة إقبال بلغت نحو 40 بالمئة، سعيد بالقيام بانقلاب بسبب حله البرلمان العام الماضي، وتقول إنه فرض حكم الرجل الواحد.
وبموجب القانون الانتخابي الجديد لسعيد، الذي أصدره بمرسوم، يتراجع دور الأحزاب السياسية كثيرا في الانتخابات حتى لو شاركت فيها. ولم يتم تضمين الانتماء الحزبي في أوراق الاقتراع بجانب أسماء المرشحين.
القانون الانتخابي الجديد
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر عن نسبة الإقبال واصفا إياها بأنها “متواضعة ولكن ليست مخجلة”، وعزاها إلى نظام التصويت الجديد وعدم وجود دعاية انتخابية مدفوعة.
وقال المواطن فوزي عياري متفائلا، بعد أن أدلى بصوته “هذه الانتخابات فرصة لإصلاح الوضع السيئ الذي خلفه الآخرون خلال السنوات الماضية”.
وقالت منظمة (أنا يقظ)، وهي منظمة رقابية غير حكومية تشكلت بعد ثورة 2011، قالت إن البرلمان الجديد يخلو من جميع السلطات.
كما قالت منظمة البوصلة، وهي منظمة غير حكومية أيضا تراقب عمل البرلمان، إنها ستقاطع المجلس التشريعي الجديد الذي تعتقد أنه سيكون “أداة للرئيس لتمرير القوانين التي يريدها”.
وفي ظل غياب الأحزاب الرئيسية، تنافس 1058 مرشحا، منهم 120 امرأة فقط، على 161 مقعدا.
وهناك عشرة مرشحين دون منافس من بينهم سبعة في الداخل وثلاثة يختارهم الناخبون بالخارج. وهناك سبعة مقاعد أخرى يختارها الناخبون بالخارج دون مرشحين أصلا.