سياسة

فن الإلهاء

سناء الجاك


ليس أفضل لـ”حزب الله” من إثارة الجدال بشأن كل ما يقوم به، أو ما يحصل وينسب إليه. ففي ذلك تكمن عملية استعراض قوته.

والأهم أن يؤدي الجدال إلى الانقسام المطلوب في خندقين، ويضع لبنان في عين عواصف متلاحقة. تدمغ أحداثها بسعي كل فريق يتمترس ويستفرس لعرض حججه. ويحسب أن هذه الحجج الطامحة والمؤثرة ستكفل له حجز مكانه وتعزيز نفوذه عندما تنضج التسويات.

المفارقة أن ينجر الجميع إلى حيث يستدرجهم الحزب، فيسارعوا إلى تحضير ملفاتهم، ليدحضوا الحجج التي تمت فبركتها وهندسة تفاصيلها وقولبتها خدمة لغايات المشروع الأكبر، ما يجعل التجاذب بشأنها خاضعا لرفع المتاريس وفق مصالح متقبلة لمن ينخرط في المحور لتبرير استخدامه القوة والعنف وتوليد الحروب تحت رايته.

ليس مهما صحة هذه الحجج. كذلك ليست مهمة الحجج الدفاعية التي تحضر لزوم المرحلة. فالجدال الذي يستنزف من يجب تطويعه او الانتصار عليه هو المرتجى. وهو ما يحصل في حين يُستكمل العمل الجدي، بما يرهن أكثر فأكثر الملف اللبناني بتطورات الخارج الإقليمي والدولي.

وكل ما يورده من يدور في فلك “حزب الله” للإيحاء بأن الخلاف والخصومة يتعلقان بمفهوم المواطنة أو العمالة وليس الهيمنة والاستفزاز هو عدة الشغل المطاطية.

فما يصح بالدعوة إلى احترام القانون في قضية المطران موسى الحاج هو قمة السخرية من القانون والتهكم عليه، وتحديدا لدى استعراض الممارسات التي جرت وتجري منذ العام 2005 مع سلسة الجرائم والاغتيالات والتفجيرات ومخالفة الدستور.

وما يصح باعتبار إقامة مراسم عاشوراء في قلب شارع الحمراء حق من حقوق الطوائف ويندرج في إطار التعددية التي تميز لبنان، هو قمة الاستغباء من قِبَلِ من يحرِّم ويحلِّل في مناطقه ما يشاء، ويقمع من يشاء ويمنع أي حريات فنية وثقافية.

والهدف من عدة الشغل المطاطية هذه هو إبقاء الأمور متداخلة ومتصارعة في حيثياتها. حساباتها على القطعة. وما يصح في مسألة ملعون ومدان في مسألة أخرى. ففي كل قضية تثار تتحكم بها النسبية ووجهات النظر وتطويع المفاهيم وأساليب طرحها.

هو فن الإلهاء بامتياز. المطلوب أن تعم الفوضى لزوم المرحلة. ولن تقتصر على المسائل الجدالية، بل تتمدد وفق المتطلبات، إذا ما فرضت المصالح القائمة فتح أسواق جديدة للخلافات، يغذيها انغماس اللبنانيين أكثر فأكثر في الطائفية والمذهبية والخلاف على الهوية.

وينسى هؤلاء المنغمسون أنهم يقفون بالطوابير للحصول على رغيف الخبز، وأنهم يتعفنون في العتمة.

وعلى مستوى السياسات العليا المتعلقة بمصير لبنان تتدحرج الأمور بشكل أوسع، وتحديدا الاستحقاق الرئاسي المفتوح على احتمالات أحلاها مر.

لذا لا بد من فن الإلهاء، حتى تتوضح المعطيات الإقليمية والدولية بعد فوضى القمم وقمم التناقض التي شهدتها المنطقة.

ولم لا؟! ففي حساب المصالح كل شيء مباح. السياسة تتقولب وتتقلب، والعواطف والانتماءات والقيم لا مكان لها في اللحظات المصيرية.

لذا من المرجح أن يستمر الاستنزاف، وإذا لزم الأمر قد تفاقم العنف، سواء مع سمات من نماذج حرب أهلية، أو بتكبير الحجر باتجاه إسرائيل عندما تستدعي مصلحة المحور ذلك.

وحتى تنضج عملية إخراج الحلول من عنق الزجاجة.. حينها يكون من استغل هذه اللحظات قد حقق مكاسب إضافية تفيده في تحسين أوراقه.. المهم من يفوز في النهاية وعلى ماذا سيحصل مع نضوج التسويات. ولن يتوقف الفائزون عند ما سيسجله التاريخ عن الجرائم ضد الإنسانية هذه المرحلة..

المهم الوصول إلى الهدف باستخدام فن الإلهاء.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى