سياسة

صناعة الخير الإماراتية.. قوة ناعمة في خدمة البشرية

محمد عبد المقصود


يتجاوز تأثير “حملة المليار وجبة”، التي أطلقتها الإمارات، أثرها المباشر في 50 دولة، لتشكل رسالة أمل لـ8 مليارات إنسان -سكان كوكبنا- بأن هناك راعياً لصناعة الخير في العالم.

وفي الوقت الذي عانت فيه حكومات العالم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، جراء أزمة كورونا، ثم الآثار الجيوسياسية الناجمة عن الأزمة الروسية-الأوكرانية، وغيرها، تأتي دولة الإمارات لتطلق الحملة الأكبر في العالم لتعزيز الأمن الغذائي ومكافحة الجوع وسوء التغذية، خاصة لدى الفئات الضعيفة من النساء والأطفال واللاجئين والنازحين وضحايا الكوارث والأزمات، مستهدفة توفير مليار وجبة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، والتعاون مع المؤسسات الإنسانية والخيرية العالمية والإقليمية والمحلية، لتأمين وصولها إليهم في خيامهم وأماكن تجمعهم ومساكنهم.

من هنا، فإن الرسائل الإماراتية من هذه الحملة، لا تخص فقط 800 مليون إنسان، هم مجموع الذين يعانون الجوع حول العالم، حسب أحدث إحصائيات الأمم المتحدة، بل هي رسائل كونية إنسانية تخص كل البشر، وتؤكد حتمية التكاتف من أجل إنقاذ هذا العدد المرشح للتزايد، لأسباب عديدة، جلها من صنع الإنسان نفسه، سواء تعلق الأمر بالتعدّي على الطبيعة أو النزاعات والحروب، وغيرها.

الحملة الإماراتية ليست رسالة أمل للمُرسَل إليه، في طرفي معادلة منح وتلقي الإسهامات الغذائية الداعمة، بل هي رسالة طمأنينة لكل البشر، بأنه مع السياق العولمي، ومع لغة الاقتصاد والأرقام والمصالح الدولية السائدة، ومقابل صناعات كثيرة قد تكون أغرقت البشرية في الجانب المادي، وبعضها أزكى أو أفضى إلى نزاعات متسعة المدى، هناك أيضاً أيادٍ حانية تسعى لصنع الخير من أجل البشرية بتجرد ودون تمييز.

ربما يشير مصطلح “القوى الناعمة”، حسب ما صاغه ابتداء عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي، إلى دفع الواقعين تحت تأثير هذه القوة، لاتخاذ مواقف وأفعال معينة، نزولاً عند أهداف صاحب “القوة الناعمة”، لكن النموذج الإماراتي في صناعة الخير رسخ المفهوم المطور المتحضر لهذا المصطلح، الهادف إلى مد يد العون للإنسان، أياً ما كان موطنه.. لونه.. ديانته، وتقديم منظومة قيم إنسانية حضارية، ترسخ قيم العطاء، والتضامن الاجتماعي، ونشر صناعة الخير.
اختارت الإمارات أن يكون العمل الخيري والإنساني، وصناعة الخير لصالح التنمية البشرية، وإعمار الأرض، هي قوتها الناعمة، ورسالتها، فراحت ترصد لها الميزانيات، وتخصص لها الحملات، وتدعو لها المجتمع، مؤسسات وأفرادا، للمشاركة الفاعلة في نمائها، وراهنت أمم أخرى على أوجه متباينة للقوى الناعمة، منها الفن، والرياضة، والثقافة، وغيرها، لكن واقع الأمر، والمؤشرات الاقتصادية التي خلفتها الحروب والنزاعات والأوبئة التي فتكت بكوكبنا، تؤكد أن البشرية أكثر احتياجاً إلى الخيار الإماراتي، وأن مقاومة الجوع، هي المهمة الأكبر والتحدي الرئيسي، الذي يجب أن يكون في صدارة أي قوة تسعى لإنصاف الأقل حظاً بين البشر في تلك المرحلة.

لا يفرّق الخير الإماراتي، ولا تتحدد وجهته بناء على اعتبارات مرتبطة بالعرق أو الجنس أو الديانة، أو سواها من الاعتبارات التي يلجأ إليها كثيرون لصياغة تصنيفهم الخاص، وهو الاتجاه الذي رسخته دولة الإمارات، منذ تأسيسها، ممثلاً في نهج المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، نهج سار على دربه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، فوصلت أياديها البيضاء وحملاتها الإغاثية إلى مشارق الأرض ومغاربها.
في هذا السياق الإماراتي الشامل، تأتي حملة المليار وجبة، لتعد استكمالاً بالأساس لحملة أطلقتها الإمارات العام الماضي، وهي “حملة 100 مليون وجبة”، موفرة وقتها 220 مليون وجبة، ما يعني أن نسبة النجاح في إنجاز الهدف الإنساني والخيري هي 220%، حيث أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حملة المليار وجبة، تحت شعار المقولة النبوية الشريفة: “ما آمن بي مَن بات شبعان وجاره جائع”، لتوفير الدعم الغذائي للجائعين حول العالم، والذين يلقى 25 ألف شخص منهم حتفهم يومياً، بسبب الجوع، من بينهم 10 آلاف طفل، فيما يبلغ نصيب الشرق الأوسط من قائمة الجوعى العالمية 52 مليون إنسان.

إن المتتبع لحملة المليار وجبة سيجد أنها تمثل أنموذجاً في التكاتف والتناغم لإنجاز ذات الهدف، بين القيادة، ومؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد، حيث شارك في الحملة التي تُنظم تحت مظلة مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، العديد من المؤسسات والجمعيات ذات النفع العام، والشركات ورجال الأعمال، وأفراد المجتمع، وجاءت المشاركات متفاوتة بين ملايين الدراهم، وحتى درهم واحد، للأفراد من خلال وسائل متعددة، من بينها رسالة نصية قصيرة عبر الهاتف المحمول، كما جاءت حلول الإسهام متنوعة ومبتكرة، من أجل الوصول إلى الهدف، ومنها المزادات الخيرية الداعمة للحملة، والتي وجدت إقبالاً ملحوظاً، ضمن سياق يؤكد أن صناعة الخير أضحت بالفعل صناعة إماراتية بامتياز، ترسخ المفهوم الإيجابي للقوة الناعمة، وفق التصور الإماراتي.

ومع احتفال الإمارات بـ”يوم زايد للعمل الإنساني”، في التاسع عشر من شهر رمضان، من كل عام، الشهر الذي يشهد تضاعف أعمال الخير، يبقى رواج هذه الصناعة دائماً ومستمراً في الإمارات على مدار العام، وهو ما يؤكده اعتماد مجلس الوزراء الإماراتي في اجتماع له خلال شهر أبريل الجاري إطاراً منظماً لتنسيق وتنظيم العمل الإنساني والخيري والتنموي للمؤسسات الإنسانية والخيرية، يضم دليلاً للجهات المانحة للمساعدات الخارجية ينظم العمل الموسمي للجهات الإماراتية المانحة المعنية بشؤون المساعدات الخارجية، وفق المعايير الدولية الموائمة لأفضل الممارسات، فضلاً عن إنشاء مكاتب تنسيقية في بعثات الدولة في الخارج لمتابعة المساعدات الخارجية في عدد من الدول المتلقية للمساعدات الإماراتية، بما يسهم في تنظيم عمليات التحويلات المالية للجهات المانحة والمؤسسات الإنسانية والخيرية الإماراتية بالدول المستفيدة.

ويرسخ هذا الإطار موقع الإمارات باعتبارها عاصمة عالمية للعمل الإنساني والخيري، حيث تضم الدولة العديد من المؤسسات العالمية والإقليمية المتمرسة في هذا المجال، ومنها مؤسسة “صندوق خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الخيرية”، والتي وصلت مساعداتها إلى 87 دولة، وصندوق معالجة الديون المتعثرة، الذي أنشئ برأسمال 10 مليارات درهم، وكلاهما أنشئ بأمر من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الذي أعلن كذلك عام 2017 عاماً للخير في دولة الإمارات، فانبرت مختلف مؤسسات الدولة لتشارك في هذه الصناعة الإنسانية الإماراتية التي عمت العالم.

وتأتي مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”، كأكبر مؤسسة إنسانية تنموية مجتمعية في المنطقة، حيث تجمع تحت مظلتها 31 جهة ومبادرة، تعمل على توفير المساعدات الإنسانية والإغاثية، والرعاية الصحية ومكافحة المرض، ونشر التعليم والمعرفة، وابتكار المستقبل والريادة، وتمكين المجتمعات، هذا بالإضافة إلى المساعدات الخارجية والإنمائية لدولة الإمارات، والمبادرات الخيرية التي تراعي تحديات المستقبل، ومنها المدرسة الرقمية، التي تقدم تعليما رقمياً للطلاب الذين يعانون صعوبة من الوصول إلى التعليم الرسمي في الدول العربية ودول المنطقة.

وجاءت المساعدات الإماراتية الدولية خلال جائحة كوفيد-19 كذلك لتمد يد العون لأكثر المجتمعات تضرراً من تداعيات الأزمة، في حين تواصل مؤسسات مثل هيئة الهلال الأحمر الإماراتية، وهيئة الأعمال الخيرية العالمية، وبنك الإمارات للطعام، وغيرها، رسالتها الإنسانية والخيرية، من أجل توسيع أثر صناعة الخير الإماراتية، محلياً وإقليمياً وعالمياً.

من هنا، فإن المبادرات والحملات والمشاريع الخيرية والتنموية الإماراتية، ليست نتاج أفكار موسمية أو مؤسسات محدودة تسعى لإنجاز برامج بعينها خلال فترة زمنية ما، بل هي خيار استراتيجي لدولة قررت أن تكون العاصمة العالمية الدائمة للأعمال الخيرية والإنسانية، فأسست صناعة هادفة مثمرة، تستهدف خير ونماء البشرية، والترويج لمنظومة قيم داعمة للإنسان، من خلال قوة ناعمة إيجابية، موظفة لصالح البشرية، من أجل تنمية عالمية بلا حدود.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى