سياسة

شخص جونسون ونهجه

بهاء العوام


عندما يتنافس وزيران من حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على خلافته، فهذا يستدعي السؤال عن سبب استقالة “إقالة” جونسون؟

 

فهل هو شخصه أم نهجه، الذي بات حزب المحافظين والمملكة المتحدة بحاجة إلى تغييره؟

العناوين العريضة، التي يرفعها المرشحان لزعامة حزب المحافظين والحكومة المقبلة، هي ذات الشعارات التي كان يأمل جونسون أن تُبقيه على رأس السلطة ليقود حزبه الحاكم في الانتخابات البرلمانية في عام 2024.

لم يفلح هو في البقاء، ولكنه أورث شعاراتِه لوزيرة الخارجية ليز تراس، ووزير الخزانة السابق ريشي سوناك، كي يتسلقا بها هرم القيادة.

لن يشارك في انتخاب زعيم المحافظين في الخامس من سبتمبر المقبل إلا أعضاء الحزب. هم نحو مئتي ألف شخص فقط، ولكنهم يعبّرون عن المزاج العام للشارع البريطاني إزاء نهج جونسون، الذي تركه لتراس وسوناك.

لم تكن الغرامة، التي حُررت بحق جونسون في “فضيحة الحفلات”، هي السبب وراء تنحيه عن السلطة.. لو كان الأمر كذلك لما ترشح وزير الخزانة السابق، الذي غُرّم للسبب ذاته وبالطريقة ذاتها.. حتى إن “سوناك” بقي متقدما على جميع المرشحين لزعامة الحزب طوال تصويت النواب المحافظين في البرلمان على خلافة رئيس الوزراء.

سوناك وتراس كرّرا الوعود ذاتها، التي أطلقها جونسون في السياستين الداخلية والخارجية.. حتى إن رئيس الحكومة الحالية كان أكثر انفتاحًا من وزير الخزانة السابق بشأن مساعدة البريطانيين لمواجهة ارتفاع كلفة المعيشة، ولم يكن متحمسًا لكل تلك الضرائب، التي أصر عليها “سوناك” ووقع على أثرها خلاف بين الرجلين.

في أزمات التضخم والغلاء تبدو “تراس” أقرب إلى نهج جونسون في مراعاة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، أكثر من أرباب المال والأعمال.. ولأنها لم تكن طرفًا مسؤولا عن الخطة المالية للحكومة، لم تقابَل وعودها الإصلاحية حتى الآن بنوع من التكذيب من قبل الشارع المحافظ، أو البريطانيين عمومًا.

سوناك وتراس تعهّدا بإتمام “بريكست”، تماما كما كان “يحلم” جونسون.. لا تراجع عن تعديل بروتوكول أيرلندا الشمالية إنْ لم يتم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على صيغة جديدة مختلفة عن اتفاقية التجارة الموقعة بين لندن وبروكسل عام 2020، ولا تغيير في خطط إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع دول وتكتلات عدة حول العالم.

ولا يبدو أن المرشحَين يُظهران مرونة إزاء رغبة اسكتلندا في الانفصال عن المملكة المتحدة بعد “بريكست”.. فمنذ اللحظة الأولى لحملاتهما الانتخابية أعلنا رفض أي طلب من إدنبرة للمضي في استفتاء جديد على العلاقة مع لندن.. صَرَخَا بالـ”لا” ذاتها، التي رفعها جونسون في وجه هذه المساعي، ولم يتغير موقف المرشحَين بعد أن قررت المحكمة البريطانية العليا النظر في طلب الوزيرة الأولى نيكولا ستيرجن إجراء استفتاء “استقلال” اسكتلندا في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

في العلاقة الجديدة مع التكتل يحرص المرشحان لزعامة المحافظين على المضي قدما في إلغاء القوانين الأوروبية، التي لا تزال سارية في المملكة المتحدة بعد “بريكست”.. هي واحدة من مراحل إتمام الخروج التي تعهد بها جونسون، وقد أعلن المرشحان لخلافته التزامهما إياها، رغم أن “تراس” كانت في استفتاء عام 2016 من مؤيدي البقاء.

في السياق ذاته، يُفهم إصرار وزيرة الخارجية ووزير الخزانة السابق على معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.. يريدان السير على خُطى جونسون في وقف مد المهاجرين القادمين عبر أمواج بحر المانش، ولن يتراجعا عن خطة الحكومة الحالية في ترحيل كل من يصل إلى الشواطئ البريطانية إلى راوندا في القارة الأفريقية.

خارجيًّا، وبعيدًا عن ملف “بريكست”، يحافظ سوناك وتراس على تعهدات جونسون في دعم أوكرانيا ضد روسيا.

لن يتغير موقع بريطانيا كأكثر الدول الأوروبية دعمًا لكييف عسكريًّا وماليًّا بعد رحيل جونسون، كما أن خطط المملكة المتحدة في التخلص من مصادر الطاقة الروسية، ومواصلة فرض العقوبات على موسكو، لن تتبدل.

باختصار ودون مواربات، أيًّا كان الفائز في انتخابات سبتمبر المقبل، سيحافظ على السياسة ذاتها، التي وضعها جونسون في الملفات الداخلية والخارجية.

ولم يقدم النواب المحافظون لأعضاء الحزب مرشحَين اثنين من الحكومة الحالية إلا لأن النواب وقيادة الحزب الحاكم يريدون الاستمرار في هذه السياسة ويرونها كفيلة بضمان الفوز في انتخابات البرلمان عام 2024، إن لم تحدث مفاجآت غير متوقعة.

والحرص على عدم تعرض الحزب الحاكم لصدمات من قبيل “فضيحة الحفلات” يعزز من احتمالات فوز “تراس” في زعامة المحافظين ورئاسة الحكومة بعد نحو ستة أسابيع.. فوزير الخزانة السابق مُحاط بنقاط ضعف كثيرة يسهل استغلالها لمحاربته من قبل المعارضة، حتى لو نجح قبل مايو 2024 في تحسين الأوضاع المعيشية ومعالجة مشكلة التضخم داخليًّا، واحتفل العالم بـ”نصر” أوكرانيا على روسيا خارجيا!

فوز سوناك برئاسة الحزب والحكومة يعني استمرار قلق المحافظين من ملاحقة وسائل الإعلام “اليسارية” لماضي وزير الخزانة السابق، بكل ما عُرف ولم يُعرف من هفواته.. وهو قلَقٌ لن يكون حاضرًا إنْ وصلت “تراس” إلى رأس السلطة.. كما أن تكرار تجربة القيادة النسائية للحزب الحاكم قد يُحرج حزب العمال، الذي لم يعرف هذه التجربة طوال تاريخه.. وربما يضعه في موقف الدفاع عن النفس، خاصة إنْ نجحت “تراس” في تحقيق كل أهداف استراتيجية جونسون قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ثمة توقعات بأن يقود الفائز في سباق اليوم الحزب الحاكم والدولة إلى حين بلورة مرشح بشخصية كارزمية تشبه جونسون لخوض غمار انتخابات 2024.. وسواء صدقت أو كذبت هذه التوقعات، فإن الثابت الوحيد في هذه المرحلة هو النهج الذي رسمه جونسون للحكومة والحزب بعد وصوله إلى السلطة بأكثرية برلمانية مطلقة لم يعرفها المحافظون منذ عهد المرأة الحديدية، مارجريت تاتشر، قبل أكثر من ثلاثة عقود.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى