شبح ترامب يخيف أوروبا.. التفاصيل


لأكثر من 70 عاماً، نشرت أمريكا مظلتها النووية لحماية أوروبا، لكن القارة العجوز بدأت تناقش مستقبلًا نوويًا مختلفًا.

كانت بداية الأمر، عندما بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقاشا كانت أوروبا تتجنبه ليس لسنوات فحسب، بل لعقود من الزمن خلال زيارته الرسمية إلى السويد.

وردا على سؤال ضابط سويدي عما إذا كانت فرنسا، باعتبارها “الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك قوة نووية مستقلة”، مستعدة لاستخدام أسلحتها النووية إذا تعرضت الدول الاسكندنافية للتهديد من الشمال، ومن المحتمل أن يكون ذلك من القواعد الروسية في القطب الشمالي؟ قال ماكرون «بالتأكيد نعم».

أجاب ماكرون دون تردد، وكأنه استبق السؤال. وأضاف: “جزء من مصلحتنا الحيوية له بعد أوروبي، مما يمنحنا مسؤولية خاصة، بالنظر إلى ما لدينا بالضبط وقدرة الردع التي لدينا”.

منذ ظهور الأسلحة النووية، أصبحت أوروبا محمية بمظلة نووية أمريكية. وكانت الولايات المتحدة هي التي وعدت حلفاء الناتو بأن أي عدوان نووي من قبل الاتحاد السوفياتي، ومن ثم روسيا، سيتم الرد عليه بوابل من الصواريخ الأمريكية.

وعلى مدار 7 عقود من الزمن، سمح هذا الترتيب لأوروبا الغربية بالتركيز على التعافي من الدمار الذي خلفته الحربين العالميتين في القرن العشرين بدلاً من تطوير قدرات نووية مكلفة.

فرنسا والمملكة المتحدة وحدهما هما من طورتا ترسانات نووية صغيرة، وما تم تطويره هو مجرد جزء صغير من حجم تلك التي كانت تسيطر عليها القوى العظمى في الحرب الباردة.

لكن بعض الدول الأوروبية بدأت تتساءل عما إذا كان الوضع النووي الراهن سوف يستمر لفترة أطول. فقد تغيرت الحسابات النووية في أوروبا بسبب تطورين، أحدهما خارجي بالنسبة لحلف شمال الأطلسي، والآخر داخلي.

التطور الأول: كشف الغزو الروسي لأوكرانيا أن موسكو أصبحت حريصة على توسيع إمبراطوريتها باستخدام القوة.

ففي السنوات الثلاثة الماضية، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً باستخدام الأسلحة النووية لتحقيق مراده، وفي الأشهر الأخيرة، أجرى مناورات عسكرية مع بيلاروسيا شملت استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم القلق في أوروبا، وخاصة في تلك البلدان المتاخمة لأوكرانيا أو روسيا.

التطور الثاني، بعد انتخابه عام 2016، غيَّر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب موقف الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي، متبعًا نهجًا أكثر تعاليا مع التحالف بالقول إن الولايات المتحدة قد تقدم المساعدة فقط لتلك الدول التي تدفع التزاماتها العادلة من حصة الإنفاق الدفاعي.

وبعد أيام فقط من خطاب ماكرون في السويد، كما لو كان فيه إشارة، أوضح ترامب هذا التهديد، وأخبر حشدًا من المؤيدين في ساوث كارولاينا أنه أبلغ بالفعل رئيس دولة أوروبية، لم يذكر اسمها أن الولايات المتحدة لن تحميهم من هجوم. وقال ترامب: “إذا لم تدفع؟ لا، لن أحميك. في الواقع، أود أن أشجع (روسيا) على القيام بكل ما يريدون”.

ومع تعاظم الاحتمالات بعودة ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأ المسؤولون الأوروبيون على مضض – وبهدوء – في مناقشة ما إذا كان ينبغي لأوروبا أن تفعل شيئًا لم يكن من الممكن تصوره طوال معظم فترة وجود الناتو: تطوير بنية أمنية لا تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، بما في ذلك الردع النووي.

وخلال الأشهر التي تلت خطاب ماكرون، أجرى مسؤولون من دول أوروبية محادثات مع نظرائهم الفرنسيين، خلف أبواب مغلقة، تركزت في أغلب الأحيان، حول البحث عن إجابات بشأن كيفية عمل الردع النووي الفرنسي.

ورغم المخاوف التي تنتاب العديد من دول الناتو بشأن روسيا واتجاه السياسة الأمريكية، إلا أن هناك أيضًا الكثير من الشكوك حول ما يمكن أن تقدمه باريس بالفعل.

وتمتلك فرنسا من جانبها نحو 290 رأساً حربياً، لكنها ليست عضواً في مجموعة الأسلحة النووية.

وبالمقارنة، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 5000 سلاح نووي وروسيا 5580، وفقًا لدراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

كما تمتلك كل من لندن وباريس غواصة واحدة على الأقل مسلحة بصواريخ باليستية مسلحة نوويًا وتقوم بدوريات في البحار.

وبعد أيام قليلة من الغملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، نشرت باريس 3 غواصات (من أصل 4) في نفس الوقت ــ وهو مستوى غير مسبوق من التأهب.

ومع ذلك، على عكس المملكة المتحدة، فإن ترسانة فرنسا محمولة جواً أيضاً، مع سربين من طائرات رافال المقاتلة المجهزة بصواريخ بعيدة المدى، يمكنها الإقلاع إما من الأراضي الفرنسية أو من حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول.

ومن المبكر للغاية تقييم ما قد يعنيه اقتراح ماكرون في الممارسة العملية، فمن ضمن الخيارات، التي اقترحها في عام 2020، هو أن يبدأ الحلفاء الأوروبيون في المشاركة في التدريبات النووية الفرنسية – كما فعلت ناقلة جوية إيطالية في عام 2022.

“تحاول دول البلطيق وبلدان الشمال الأوروبي أن تفهم بشكل أفضل. إنهم يطرحون الأسئلة. وقال غراند، مساعد الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي: “لم ندخل بعد في نقاش عام حقيقي، بل نحن في بداية المحادثة”.

ولا يتوقع أن يتم طرح هذا الموضوع أثناء اجتماع زعماء حلف شمال الأطلسي الذي من المقرر أن يعقد في واشنطن في الفترة من 9 إلى 11 من يوليو/تموز الجاري.

وقال دبلوماسي أوروبي: “لا أتوقع أن يحظى موضوع الدفاع النووي الأوروبي بالأهمية الكبرى في القمة. بل سيؤكد الناتو مرة أخرى قوة الردع والدفاع لديه”.

ولكن لا يوجد شك في أن المخاوف بشأن مستقبل المظلة النووية لأوروبا ستتم مناقشتها على الهامش على الأقل.

Exit mobile version