سياسة

سباق القوى الكبرى: أمريكا وروسيا على كعكة أفريقيا الوسطى


تشكل التوترات في أفريقيا الوسطى نافذة على معركة أكبر على النفوذ تدور رحاها في جميع أنحاء القارة السمراء بين موسكو وواشنطن.

وبعد ساعات من تمرد يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر ضد كبار القادة العسكريين في روسيا، أصيب أكبر عميل لجيشه الخاص في أفريقيا بالذعر، ولجأ إلى عدوه في الغرب طلبا للمساعدة، وفقا لوكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية.

إذ كتب مسؤولون من جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتمركز نحو 1500 من مجموعة فاغنر، رسالة في ذلك اليوم، يطلبون فيها ترتيب اجتماع “سريع” مع شركة أمنية أمريكية خاصة تسمى “بانكروفت جلوبال ديفيلوبمنت” لمناقشة التعاون.

هذا الطلب دفع الولايات المتحدة -التي كانت منفصلة إلى حد كبير عن المنطقة لسنوات- إلى محاولة الحفاظ على وجودها ووقف المكاسب الروسية، عبر دفع الدول الأفريقية إلى “النأي نفسها عن المرتزقة الروس”.

ويرى صامويل راماني -زميل معهد رويال للخدمات المتحدة، مركز أبحاث دفاعي وأمني- أنه “إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من استعادة موطئ قدم فقد يمنح ذلك روسيا نفوذا اقتصاديا وسياسيا أكبر”.

قبل أن يتابع “إذا خسرت روسيا جمهورية أفريقيا الوسطى، نموذجها الرائد في القارة، فقد يكون لهذا تأثير الدومينو في بلدان أخرى”.

النفوذ الروسي

برزت روسيا في السنوات الأخيرة كشريك أمني مفضل لعدد متزايد من الحكومات في المنطقة، مما أدى إلى خروج حلفاء تقليديين مثل فرنسا والولايات المتحدة.

ووسعت موسكو تعاونها العسكري مع القارة باستخدام مرتزقة مثل فاغنر. الذين عملوا فيما لا يقل عن ست دول منذ نحو عام 2017. وهم مكلفون بحماية القادة الأفارقة وفي بعض الحالات المساعدة في محاربة المتمردين والمتطرفين.

مرتزقة روس يصعدون على متن مروحية في شمال مالي

وكانت أفريقيا الوسطى واحدة من الأماكن الأولى التي دخلتها “فاغنر”. ولقيت ترحيبا من السكان المحليين والحكومة لجهودها في محاربة المتمردين الذين حاولوا الاستيلاء على بانغي (العاصمة) في عام 2021.

وسرعان ما توسع الروس إلى بوركينا فاسو والنيجر.

ضغوط أمريكية

مارست الولايات المتحدة ضغوطا على جمهورية أفريقيا الوسطى لسنوات لإيجاد بديل لفاغنر، لكن هذه الضغوط لم تسفر عن تقدم ملموس يذكر. وفقا لمسؤول أمريكي مطلع على المحادثات، اشترط عدم الكشف عن هويته بسبب سرية المناقشات الجارية.

ما هي بانكروفت؟

وتتخذ بانكروفت من واشنطن مقراً لها، وهي شركة غير ربحية تعمل في تسع دول، خمس منها في أفريقيا، وأقدم وجود لها في الصومال. إذ تعمل منذ أكثر من 15 عاما لتدريب القوات الصومالية لمحاربة حركة الشباب الإرهابية.

وأحيط دخول بانكروفت جمهورية أفريقيا الوسطى في العام الماضي بالسرية. حتى ظهور مؤشرات على وجودها الخريف الماضي.

ووفقا لمؤسس بانكروفت مايكل ستوك فإن المجموعة “دخلت أفريقيا الوسطى بناءً على طلب بانغي”.

يأتي جزء كبير من التمويل الإجمالي لبانكروفت من المنح الأمريكية والأمم المتحدة. وخلال الفترة من عام 2018 إلى عام 2020 تلقت أكثر من 43 مليون دولار من الولايات المتحدة.

لكن محللين مثل أمل علي، محللة الاستخبارات الأمريكية السابقة. قالت إنه على الرغم من وجودها لسنوات في الصومال فإن بانكروفت لم تسهم في أي استئصال حقيقي للإرهاب.

مستقبل غير واضح

مع تنافس الولايات المتحدة وروسيا على كعكة القارة السمراء تقول الحكومات الأفريقية إنها تريد اتخاذ خياراتها الخاصة.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى لا يزال مدى النفوذ الذي تتمتع به الدولة الروسية على المرتزقة الروس -الذين يحبهم الكثيرون ويندمجون في المجتمع ويصنعون البيرة ويزورون الأسواق- غير واضح.

وبالنسبة للكثيرين كان بريغوجين بطلاً قومياً في البلد الأفريقي، إذ يقف الناس عند نصب تذكاري للجنود الروس في وسط المدينة، ويضعون الزهور عند قدميه احتراماً له، بعد عام من وفاته.

لكن غالبية سكان جمهورية أفريقيا الوسطى لا يبدون اهتماما بالصراع بين الدول الأجنبية.

ويقول جان لويس يت، الذي يعمل في سوق بانغي: “هناك مشاكل بين الأمريكيين والروس، لكن هذا لا يهمنا، نحن هنا نعمل، ونبذل قصارى جهدنا لكسب لقمة العيش، كل ما نريده هو الأمن”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى