حزب الإخوان المسلمين في تونس.. تحول بلا أثر
حتى اللافتات جرفها الغضب الشعبي ولم يتبق منها سوى أجزاء متناثرة من صورة حمامة مبتورة الأجنحة تلخص قصة شعار الحركة الذي أسقطه الشعب.
هذا هو حال «النهضة»، حزب إخوان تونس الذي بات شبيها بهيكل حزبي معلق وفصيل بلا قيادات وممنوع من الاجتماعات، بل غدا اسما منزوع الصلاحيات محاصرا بالشبهات.
انتهى الحزب سياسيا تقريبا بأمر شعبي حكم عليه بـ«الإعدام» عقب إدانته بشتى أنواع الجرائم ضد التونسيين في عشرية سوداء لا تزال تلقي بظلالها على البلاد.
مراقبون للمشهد السياسي التونسي اتفقوا على ضرورة حل هذا الحزب الذي تأسس منذ 42 عاما وتورط في جرائم متعددة مرتبطة بالإرهاب، داعين إلى ضرورة تصنيفه كحزب إرهابي.
وقالت البرلمانية التونسية فاطمة المسدي إن «حركة النهضة تواجه ملفات قضائية خطيرة ما يستوجب حلها نهائيا».
واعتبرت المسدي أن حركة النهضة هي «تنظيم إرهابي وليست حزبا سياسيا»، داعية أعلى سلطة في البلاد إلى «فتح ملف هذه الحزب وتحميله مسؤوليته التاريخية في حله ومحاسبة كل الأطراف».
وأكدت المسدي أن البرلمان التونسي يعد لائحة برلمانية منذ يوليو الماضي من أجل تصنيف هذا الحزب إرهابيا.
وأضافت أن اللائحة تنص على ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب طيلة العشرية الأخيرة، والعمل على استرجاع السيادة الوطنية وهيبة مؤسسات الدولة وحمايتها من الاختراقات التي دأبت عليها حركة النهضة.
المحاسبة
من جانبه، دعا البرلماني التونسي، طارق المهدي، إلى “محاسبة هذا الحزب وكل من أجرم في حق الشعب التونسي”.
وقال المهدي إن “فترة حكم النهضة أسفرت عن اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية ضد قوات الأمن والأبرياء العُزل، إضافة للعصابات التي خرجت من تونس باتجاه بؤر التوتر للجهاد في قضية التسفير”.
وأشار إلى أن “ما عاشته تونس كان بمثابة النقطة السوداء في تاريخ البلاد.. وهذا الوضع يحتم علينا أن نتماشى مع رأي الأغلبية المطلقة في محاسبة هذا الحزب وتصنيفه كحزب إرهابي“.
ويطالب أعضاء البرلمان الجديد عددا من المؤسسات الوطنية والشخصيات السياسية بالانخراط في هذا التوجه تمهيدا لحل الحركة.
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي وأستاذ القانون التونسي زياد القاسمي، أن مرسوم الأحزاب لسنة 2011 يعطي حق الكاتب العام للحكومة تحديد الإخلالات التي قد تفضي في النهاية إلى حل حزب سياسي ما بحكم قضائي.
وقال القاسمي إن «حل الحركة يبقى من مشمولات القضاء التونسي والمرسوم الحكومي المنظم للأحزاب».
ولفت إلى أن قيادات حركة النهضة الإخوانية بتونس تواجه عدة ملفات ثقيلة أمام القضاء وعقوبة أغلبيتها الإعدام.
تآكل القاعدة الانتخابية
وبحسب الخبير ذاته، فإن حركة النهضة خسرت أنصارها بشكل متصاعد على مدى العقد الماضي، وذلك بسبب إدارتها الفاشلة للحكم وإدخال تونس في متاهة الإرهاب والقتل وسفك الدماء.
وأضاف أنه “مع وصول الملفات الخطيرة إلى أروقة القضاء فلن يكون أمام النهضة فرصة لاستعادة أنصارها في الشارع التونسي.”
ومنذ شهر، أصدر القطب القضائي التونسي لمكافحة الإرهاب (مجموعة محاكم مختصة) مذكرة إيداع بالسجن بحق رئيس حزب النهضة المؤقت، منذر الونيسي، الذي اعتقل مطلع سبتمبر/أيلول الماضي على خلفية تسجيلات مسرّبة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بتلقي الحركة أموالا من الخارج يرسلها معاذ الغنوشي نجل راشد الغنوشي. .
ويتولى الونيسي رئاسة حركة النهضة منذ اعتقال راشد الغنوشي في 17 أبريل/نيسان الماضي.
وللإشارة، فإنه منذ اعتقال راشد الغنوشي في 17 أبريل/نيسان الماضي، أغلقت قوات الأمن التونسي مقار حركة النهضة بعد تفتيشها، وذلك وفق قرار من وزير الداخلية كمال الفقي.
كما تقرر حظر الاجتماعات بمقار الحركة بالأراضي التونسية، استنادا إلى الفصل السابع من الأمر عدد 50 لسنة 1978 والمتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، كما تقرر أيضا حظر الاجتماعات بمقرات «جبهة الخلاص» الموالية للإخوان.
وسبق أن أعرب الرئيس التونسي قيس سعيد عن رفضه، “التدخل في الشؤون الداخلية” لبلاده، على خلفية ردود الأفعال الدولية حول سجن الغنوشي وقيادات الإخوان.
وقال سعيد إن “التدخل السافر في شؤوننا غير مقبول، نحن دولة مستقلة ذات سيادة لا نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية، لسنا دولة مستعمرة أو تحت الوصاية”.
وشدد: “عليهم أن يكفوا من محاولات التدخل في شأننا (..). فلم نعبر عن انشغالنا من عدد الاعتقالات التي وقعت في عدد من الدول ومنها الدول الأوروبية”.
عودة من المنافي
يذكر أن قيادات حركة النهضة عادت إلى تونس من المنافي في العام 2011، وعلى رأسهم زعيمها راشد الغنوشي الذي أمضى سنوات طويلة في بريطانيا، قبل أن يعود بأجندة خبيثة خبأها تحت لافتة «تعفف» كاذب عن العمل السياسي فور أن وطئت قدماه البلاد.
تدفقوا من المنافي وفي قلوبهم حقد دفين، أقسموا أغلظ الأيمان على صبه على التونسيين عبر مشروع تخريبي ملأ خزائنهم بالأموال الطائلة والممتلكات وفوائض التجارة بعقول الشباب وغسل أدمغتهم.
وضعوا أياديهم على مفاصل الدولة، في البداية حصلوا على كلمة العبور عبر صناديق الاقتراع، بعد أن منحهم الشعب قشة الصعود للحكم، منبهرا بشعارات زائفة اعتقد قسم واسع من التونسيين أنها قد تمنحهم التغيير المنشود.
لكن بمجرد وصولهم للسلطة، كشروا عن أنيابهم وكان لابد من معجزة تزيحهم، وهو ما حدث في 25 يوليو/تموز 2021، حين أطاحت بهم قرارات رئاسية اعترضت عقدا من الديكتاتورية والتخريب.
وزاد الخناق ضيقا منذ اعتقال زعيم الحركة راشد الغنوشي في أبريل/نيسان الماضي وسجن جميع قياداتها البارزة ثم سجن رئيسها المؤقت منذر الونيسي رفقة رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني في سبتمبر/أيلول الماضي.
هذه الحركة التي حكمت من 2011 إلى غاية 2021، لغَمت البلاد بالإرهاب واستغلت سلطتها لتنفيذ مشروعها التخريبي وسيطرت على أجهزة الدولة القضائية والاقتصادية وتخابرت مع قوى أجنبية بهدف التآمر على أمن البلاد.