سياسة

حروب غزة على مر العصور


مع دخول الحرب في غزة شهرها السادس دون حل يلوح في الأفق، تفاقمت معاناة المدنيين جراء الضربات الإسرائيلية المتواصلة، وارتفعت الأصوات المنتقدة للدولة العبرية.

إلا أن تلك المعاناة التي يتكبدها فلسطينيو غزة مجرد رقم في سلسلة طويلة من الحروب، كان القطاع المحاصر أسيرا لها، وفيما يلي نظرة على تلك الحروب.

وغزة التي كانت مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين حارب كثيرون للسيطرة عليها منهم الفراعنة المصريون والبابليون والفلستيون، والإسكندر الأكبر.

وتعد غزة شريطا ساحليا يقع على طرق تجارية وبحرية قديمة على ساحل البحر المتوسط، وهو موقع بالقرب من نقطة التقاء آسيا بأفريقيا مما جعلها مركزا تجاريا مزدهرا في العصور القديمة، وكانت جزءا من اتحاد قديم للفلستيين، مكون من خمس مدن على طول السهل الساحلي. وورد ذكرها في الكتاب المقدس، بما في ذلك معارك النبي داوود.

وفي قرون لاحقة احتلها اليونانيون المقدونيون والرومان والعرب والمغول والصليبيون والعثمانيون وحتى نابليون. وانتشرت المسيحية هناك، ولا يزال هناك مسيحيون يعيشون في غزة، ودخل الإسلام المنطقة قبل 1400 عام.

وظلت غزة جزءا من الإمبراطورية العثمانية في معظم الفترة من القرن السادس عشر حتى عام 1917 عندما استولت عليها القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى.

وعلى مدى القرن الماضي، انتقلت غزة من الحكم العسكري البريطاني مرورا بالحكم المصري إلى الحكم العسكري الإسرائيلي. وهي الآن عبارة عن جيب مغلق محاط بأسيجة يسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني معظمهم من نسل اللاجئين.

وفيما يلي بعض المحطات الرئيسية في تاريخ غزة الحديث.

1948.. نهاية الحكم البريطاني

مع انتهاء الحكم الاستعماري البريطاني في فلسطين في أواخر أربعينيات القرن العشرين، اشتدت أعمال العنف بين اليهود والعرب وبلغت ذروتها في الحرب بين دولة إسرائيل بعد إعلان قيامها وجيرانها العرب في مايو/أيار 1948.

ولجأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬إلى غزة بعد أن فروا أو طردوا من ديارهم في عملية تهجير جماعية يسميها الفلسطينيون “النكبة”، وسيطر الجيش المصري على شريط ساحلي ضيق يمتد 40 كيلومترا من سيناء حتى جنوبي عسقلان مباشرة.

وأدى نزوح اللاجئين إلى زيادة عدد السكان ثلاثة أمثال ليصل إلى 200 ألف نسمة تقريبا.

الحكم المصري

في الخمسينيات والستينيات سيطرت مصر على قطاع غزة لعقدين وسمحت للفلسطينيين بالعمل والدراسة في مصر، وشن «فدائيون» فلسطينيون، والعديد منهم من اللاجئين، هجمات داخل إسرائيل التي ردت بعمليات انتقامية.

وأسست الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تقدم اليوم الخدمات لنحو 1.6 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين في غزة، فضلا عن فلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية.

1967.. الحرب والاحتلال العسكري الإسرائيلي

احتلت إسرائيل قطاع غزة في حرب عام 1967. وأظهر إحصاء إسرائيلي في ذلك العام أن عدد سكان غزة بلغ 394 ألف نسمة، 60% على الأقل منهم من اللاجئين.

وظلت القوات الإسرائيلية تتولى إدارة القطاع وحراسة المستوطنات التي بنتها إسرائيل في العقود التالية. وأثارت هذه المستوطنات استياء متزايدا من الفلسطينيين.

1987.. الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتأسيس حماس

بعد مرور 20 عاما على حرب عام 1967، اندلعت الانتفاضة الأولى بعد أن اصطدمت شاحنة إسرائيلية بمركبة تقل عمالا فلسطينيين في مخيم جباليا للاجئين بغزة مما أودى بحياة أربعة. وتلا ذلك احتجاجات ألقى خلالها المتظاهرون الحجارة وإضرابات وإغلاق للمحال التجارية.

ووسط هذا الغضب، أسست جماعة الإخوان المسلمين ومقرها مصر فرعا فلسطينيا مسلحا تحت اسم حركة حماس، تتركز قاعدة نفوذها في غزة. وصارت حماس، التي ينص ميثاقها على تدمير إسرائيل منافسة لحركة فتح العلمانية بزعامة ياسر عرفات التي قادت منظمة التحرير الفلسطينية.

1993.. اتفاقات أوسلو والحكم الذاتي الفلسطيني

وقَعت إسرائيل والفلسطينيون اتفاق سلام تاريخيا عام 1993 أدى إلى تأسيس السلطة الفلسطينية.

ومُنح الفلسطينيون، بموجب هذا الاتفاق المؤقت، لأول مرة سيطرة محدودة على غزة وعلى أريحا في الضفة الغربية. وعاد عرفات إلى غزة بعد أن قضى عقودا في المنفى.

وأعطت عملية أوسلو السلطة الفلسطينية حديثة التأسيس قدرا من الحكم الذاتي، بهدف قيام دولة فلسطينية بعد خمس سنوات. لكن ذلك لم يحدث أبدا. واتهمت إسرائيل الفلسطينيين بالتراجع عن الاتفاقات الأمنية وغضب الفلسطينيون من استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية.

ونفذت حماس وجماعة مسلحة أخرى هي «الجهاد الإسلامي» تفجيرات في مسعى لعرقلة عملية السلام مما دفع إسرائيل إلى فرض مزيد من القيود على تنقل الفلسطينيين خارج غزة. كما استغلت «حماس» الانتقادات المتزايدة بين الفلسطينيين للفساد والمحسوبية وسوء الإدارة الاقتصادية من قبل الدائرة المقربة من عرفات.

2000.. الانتفاضة الفلسطينية الثانية

هوت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في عام 2000 لمستوى منخفض جديد مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي دشنت فترة من التفجيرات الانتحارية وهجمات إطلاق النار التي نفذها فلسطينيون، وردت عليها إسرائيل بضربات جوية وعمليات هدم للمنازل وإغلاق مناطق وحظر للتجول.

من بين الخسائر في تلك الفترة الأضرار التي لحقت بمطار غزة الدولي وكان رمزا لآمال الفلسطينيين المحبطة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والرابط الوحيد الذي يربط الفلسطينيين مع العالم الخارجي ولا تسيطر عليها إسرائيل أو مصر.

وافتتح المطار في عام 1998 واعتبرته إسرائيل تهديدا أمنيا، ودمرت برج المراقبة ومدرج المطار بعد بضعة أشهر من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

كما لحقت أضرار بقطاع صيد الأسماك في غزة، وهو مصدر دخل لعشرات الآلاف. وقلصت إسرائيل منطقة الصيد في غزة متذرعة بالحاجة لمنع القوارب من تهريب الأسلحة.

2005.. إسرائيل تخلي مستوطناتها في غزة

في أغسطس/آب 2005، أجلت إسرائيل جميع قواتها ومستوطنيها من غزة التي كانت إسرائيل قد عزلتها بالكامل عن العالم الخارجي في ذلك الوقت.

وهدم الفلسطينيون المباني والبنية التحتية المهجورة وحولها إلى خردة. وأسفرت إزالة المستوطنات عن مزيد من حرية التنقل داخل غزة وازدهر “اقتصاد الأنفاق”، إذ سرعان ما حفرت جماعات مسلحة ومهربون ومتعهدون عشرات الأنفاق إلى مصر.

لكن مع الانسحاب الإسرائيلي اختفت أيضا مصانع المستوطنات والصوب الزراعية والورش التي كانت توظف عددا من أهل غزة

2006.. عزلة تحت إدارة حماس

حققت حماس فوزا مفاجئا في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006، ثم سيطرت بشكل كامل على غزة وأطاحت بالقوات الموالية للرئيس محمود عباس الذي خلف عرفات.

وقطعت كثير من الدول والمنظمات العالمية المساعدات عن الفلسطينيين في المناطق التي سيطرت عليها حماس، معتبرة الحركة الفلسطينية منظمة إرهابية.

ومنعت إسرائيل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من دخولها فقطعت مصدرا مهما للدخل. وأصابت الضربات الجوية الإسرائيلية محطة الطاقة الوحيدة في غزة بالشلل، ما تسبب في انقطاعات واسعة النطاق للكهرباء. واستنادا إلى مخاوف أمنية فرضت إسرائيل حصارا على قطاع غزة وشددت مصر الإجراءات على الحدود مما أثر على حركة الأشخاص والبضائع عبر معابر غزة.

وتعثرت خطط حماس الطموحة لتحويل تركيز اقتصاد غزة بعيدا عن إسرائيل حتى قبل أن تبدأ.

دوامة الصراع

عانى اقتصاد غزة طويلا بسبب دوامة الصراع والهجمات والانتقام بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة.

وقبل عام 2023، وقع عدد من أسوأ الأعمال القتالية عام 2014، عندما أطلقت حماس وجماعات أخرى صواريخ على مدن في قلب إسرائيل.

وشنت إسرائيل ضربات جوية وقصفا مدفعيا دمر أحياء في غزة. وقُتل أكثر من 2100 فلسطيني، معظمهم من المدنيين. وقدرت إسرائيل عدد قتلاها بنحو 67 جنديا وستة مدنيين.

هجوم مباغت

بينما كانت إسرائيل تظن أن حماس منهكة من الحرب وتعمل على تقديم حوافز اقتصادية للقوى العاملة في غزة كان مقاتلو الحركة يتلقون التدريبات في الخفاء.

وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شن مسلحو حماس هجوما مباغتا على إسرائيل واجتاحوا البلدات في جنوبها وقتلوا 1200 شخص وعادوا إلى غزة بأكثر من 250 رهينة.

وردت إسرائيل، ونفذت في البداية أعنف ضرباتها الجوية والمدفعية على غزة على الإطلاق، ثم أطلقت لاحقا عملية عسكرية برية بعد حشد مئات الآلاف من جنود الاحتياط ووضع غزة تحت الحصار فيما قالت إنه بهدف تدمير حماس.

وأمرت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين بالتحرك جنوبا بينما حاولت قواتها طرد حماس من شمال غزة أولا. وخاضت القوات الإسرائيلية معارك مع حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة، إذ تطلق حماس عملياتها من بين المباني المتهدمة مستخدمة شبكة واسعة من الأنفاق التي بنتها تحت غزة.

واتهمت إسرائيل حماس بإخفاء بنيتها التحتية العسكرية تحت المباني المدنية لاستخدام سكان غزة دروعا بشرية. واتهم الفلسطينيون ومؤيدوهم إسرائيل باستخدام القوة غير المتناسبة، ونفى كل جانب اتهامات الجانب الآخر.

وتم التوصل إلى هدنة قصيرة في نوفمبر/تشرين الثاني دخلت خلالها المساعدات إلى غزة، وأطلقت حماس سراح بعض الرهائن، لكن القتال استؤنف.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، تأكد مقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني حتى الرابع من أبريل/نيسان، مع مخاوف من وجود آلاف القتلى تحت الأنقاض. وقالت إسرائيل حتى الثالث من أبريل/نيسان إن 256 من جنودها قتلوا في غزة.

وبحلول أوائل عام 2024، قالت وكالات الإغاثة إن كارثة إنسانية تلوح في غزة، مع نزوح معظم سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

وفي خضم القصف الأعنف في تاريخ القطاع، اضطرت الكثير من العائلات إلى الانتقال إلى مخيمات ضخمة أقيمت في جنوب غزة، في ظل نقص الطعام والماء والوقود ودون خدمات صحية.

ومع تكدس كثيرين في المنطقة المحيطة برفح، أقصى جنوب قطاع غزة، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المدينة من شأنه أن يسبب “كارثة لا يمكن تصورها”.

وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، لم تسفر المحادثات بشأن وقف ممتد لإطلاق النار للسماح بدخول المزيد من المساعدات وإطلاق سراح المزيد من الرهائن عن أي نتائج.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى