بريطانيا “جنة الإخوان”
يبدو أنّ بريطانيا التي طالما كانت “جنة الإخوان“، وملاذهم الآمن وقت الأزمات الحالكة، لم تعد كذلك، في ضوء الإجراء الأخير من جانب السلطات بوضع التنظيم على قائمة التطرف، ومن ثم احتمالات توسيع إجراءات التضييق على الجماعة وتشديد الرقابة على المنظمات التابعة لها خلال الفترة المقبلة، في مقدمتها منظمة (الرابطة الإسلامية).
وتمثل (الرابطة الإسلامية) أبرز كيانات الإخوان بالمملكة المتحدة، وقد أسسها كمال الهلباوي، المتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، الذي انشق فيما بعد عن الجماعة، ولها فروع في كافة الدول الأوروبية تقريباً.
وتضم قيادة (المنظمة الإسلامية) المعرفة اختصاراً بـ (MAB) قيادات إخوانية؛ مثل: عزام التميمي، الناشط السابق في جبهة العمل الإسلامي، “الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية”، ومحمد صوالحة، العضو السابق في حماس، وأسامة التكريتي، نجل زعيم الفرع العراقي لجماعة الإخوان المسلمين، بحسب (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).
خارطة مصالح داخل بريطانيا
يرتبط الإخوان المسلمون في بريطانيا بمنظومة مهمة للغاية من المصالح، التي ترتبط بأمور سياسية وأمنية واجتماعية، جعلت لهم أهمية كبرى لدى الحكومات المتعاقبة، ويتم ذلك من خلال نظام مؤسسي مُحكَم، يشمل منظومة من الجمعيات، وصلت إلى ما يقارب (60) منظمة داخل بريطانيا، بحسب الدراسة.
وقد تنامى حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة لجماعة الإخوان في بريطانيا، وتشير التقديرات إلى أنّ تنظيم الإخوان المسلمين يمتلك ثروات مالية تتراوح بين (8 ـ 10) مليارات دولار داخل بريطانيا، وقد حصلت شركات الإخوان المسلمين ومؤسساتها على الوضع القانوني، ويرجع ذلك إلى تخوف بريطانيا من أن تتحول أنشطة الجماعة إلى النشاط السرّي لضرب المصالح البريطانية وتهديد أمنها.
(فينسبري بارك) ورعاية الإرهاب
إلى جانب الرابطة الإسلامية، أسس الإخوان في بريطانيا دار الرعاية الإسلامية في (فينسبري بارك) في عام 1970، ومنذ عام 2005 قامت الرابطة الإسلامية بإدارة مسجد (فينسبري بارك)، وكان النائب البرلماني لتلك الدائرة (جيريمي كوربين) لاعباً أساسياً في كليهما، وكان حزب العمال في وقت ما يتمتع بعلاقات وثيقة مع المجلس الإسلامي في بريطانيا.
وقد أثارت علاقة (كوربين) بتنظيم الإخوان جدلاً داخل أعضاء الحزب، بحسب (المركز الأوروبي)، وغالباً ما كان (كوربين) داعماً صريحاً لحركة (حماس) المقربة من تنظيم الإخوان المسلمين، في خطاب ألقاه في لندن عام 2009، وكان يخاطب تحالف “أوقفوا الحرب”، وصف كوربين (حماس) بأنّها “صديقة”.
كما أنّ (كوربين) كان قريباً من جمعية (إنتربال) الخيرية البريطانية، وبينما تعمل بشكل قانوني في المملكة المتحدة، صنفتها الولايات المتحدة على أنّها جماعة إرهابية في أغسطس 2003، لأنّها عملت على “تقديم الدعم لحماس، وقامت بتشكيل جزء من شبكة تمويلها في أوروبا”.
منظمة الإغاثة الإسلامية… تمويل الإرهاب
تمثل منظمة (الإغاثة الإسلامية) في بريطانيا مؤسسة إخوانية بارزة، وترتبط بشكل وثيق بشبكة الإخوان المسلمين، ولها فروع في أكثر من (20) دولة، وتشير تقارير إلى ضلوع المنظمة بتمويل الإخوان، خاصة أنّها تمتعت بقدر كبير من الوصول إلى المسؤولين الحكوميين البارزين، إذ تضمنت فعاليات الإغاثة الإسلامية خطابات للأمير تشارلز، كما أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية أول جمعية خيرية إسلامية متخصصة تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية لمشاريع في القارة الأفريقية عام 1994.
وفي عام 2012 أغلق العملاق المصرفي السويسري (UBS) حسابات الإغاثة الإسلامية، و”منع التبرعات القادمة من عملائه إلى المؤسسة الخيرية”، بحسب ما أوردته تقارير غربية، بسبب مخاوف من تمويل الإرهاب.
اتحاد المنظمات الإسلامية (مجلس مسلمي أوروبا)
يُعدّ (اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا) التنظيم المظلي للإخوان المسلمين في أوروبا، تأسس عام 1989، ويقع مقره الرئيس في العاصمة البلجيكية بروكسل، وكان اسمه عند التأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ثم تغير الاسم عام 2020 إلى (مجلس مسلمي أوروبا).
يعمل المجلس، وفقاً لوثائقه التعريفية، على “خدمة المسلمين في إطار القوانين والنظم الأوروبية، بما يحقق التعايش والتضامن المجتمعي في أوروبا”، ويلخص رسالته في “التعريف بالإسلام، وتشجيع مسلمي أوروبا ومساعدتهم على ممارسة شعائرهم الدينية، والإسهام الفاعل في مختلف جوانب الحياة، في إطار من الفهم الوسطي وضمن منهج إصلاحي تجديدي”، وفق (المركز العربي لدراسات التطرف).
وقد تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا في بريطانيا أواخر عام 1989، ويضم الاتحاد عضوية مؤسسات إسلامية على مستوى أوروبا، وله هيئة عمومية، ومجلس شورى، ومكتب تنفيذي، ويمتلك برنامجاً ويعمل وفق خطط لمدة (20) عاماً قادمة، وله مجموعة من المؤسسات في غير الدول الأوروبية، وللاتحاد علاقات رسمية واضحة وقوية مع الأجهزة الرسمية الأوروبية على رأسها الاتحاد الأوروبي.
ويضم الاتحاد، وفق (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب)، أعضاء من العرب والأجانب، وهؤلاء يمثلون ما لا يقلّ عن (1000) جمعية ومركز ومؤسسة تعمل في مختلف مجالات العمل، مثل الشبابية والنسائية والطفولية، ويوجد أشخاص يعملون في المجالس البلدية، والاتحاد لا يمثل كل المسلمين في أوروبا، وإنّما هو أكبر منظمة إسلامية هناك لها انتشار أفقي وتغطي معظم الدول الأوروبية، وهي تمثل كما تدّعي الفكر الوسطي في أوروبا.
مواجهة بريطانية
وضعت بريطانيا جماعة الإخوان على رأس قائمة التطرف، وفق مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرف، في ارتباط مباشر بحركة حماس وحرب غزة والانشقاقات المجتمعية الناتجة عنها، وما كشفت عنه الاحتجاجات الأخيرة من شعارات معادية للسامية.
وأعلن وزير المجتمعات المحلية مايكل غوف أنّ “منظمات مثل (الرابطة الإسلامية) في بريطانيا، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان، ومجموعات أخرى مثل (كيج وميند) تثير التوجس من توجهاتها” وأضاف: “سنحاسب هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبي تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب”.
وقال: إنّ “الانتشار الشامل للإيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر بعد هجمات 7 أكتوبر، ويشكّل خطراً حقيقيّاً على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا”، ويفترض أن يؤدي التعريف الجديد للتطرف إلى إدراج المنظمات المعنية على لائحة سوداء، وحرمانها من الأموال العامة.
ويهدف التعريف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنّه “سُمّ” للديمقراطية، محذّراً من “زيادة مروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام تهدد البلاد بالانتقال إلى حكم الغوغاء”.