سياسة

بريطانيا.. الزعيم المقبل

بهاء العوام


صويت نواب حزب المحافظين في البرلمان البريطاني أفضى إلى ترشيح وزير الخزانة السابق، ريشي سوناك، ووزيرة الخارجية، ليز تراس، للمنافسة على خلافة بوريس جونسون في قيادة الحزب والحكومة.

“سوناك” تقدم السباق منذ بدايته، إلا أن استطلاعا للرأي يتوقع أن تفوز “تراس” في الاقتراع العام، الذي يشارك فيه مئتا ألف عضو للحزب يوم الخامس من سبتمبر/أيلول المقبل.

المحافظون الآن، أعضاء ونواب، ينقسمون بين رجل من أقلية عرقية، وبين امرأة تنتمي للبشرة البيضاء.

لا يملك أي منهما “الكاريزما”، التي يتمتع بها “جونسون”، ولكن لا مفر من الاختيار بينهما.. فإما أن تحصل سابقة تاريخية في الحزب والدولة، وإما أن يكرر الحزب الحاكم تجربة القيادة النسائية للمرة الثالثة.. فالأولى كانت مع المرأة الحديدة مارجريت تاتشر بين 1979 و1990.. والثانية تزعمت فيها تيريزا ماي الحزب والحكومة لمدة ثلاث سنوات متتالية من منتصف 2016 حتى منتصف 2019.

بنبذة مختصرة، ينتمي ريشي سوناك إلى عائلة هندية مهاجرة جاءت إلى بريطانيا قبل نحو خمسة عقود. ولد في مدينة إنجليزية وتعلم في جامعة إنجليزية، ثم أصبح عضوًا في برلمان المملكة المتحدة عن حزب المحافظين منذ 2015.

ومنذ ذلك التاريخ فتحت في وجهه أبواب المناصب والوظائف في حكومات الحزب المتتالية.

القاعدة الشعبية لحزب المحافظين ربما ليست مستعدة بعد لتغيير بحجم اختيار رجل لا يملك بشرة بيضاء ليكون رئيسا للحزب وقائدا للدولة.. صحيح أن “سوناك” ينحدر من الفئة القوية في قيادة الحزب، وهي أرباب المال والأعمال، ولكن هل يكفيه هذا ليكون رئيس الوزراء المقبل في بلد أوروبي بحجم وتاريخ المملكة المتحدة؟

سوناك “أساء” لحزب المحافظين في “فضائح الحفلات”، تمامًا كما فعل “جونسون” ودفع ثمن ذلك منصبه.. حررت الشرطة بحق وزير الخزانة السابق غرامة ولم يكترث لها رغم تعهده بالاستقالة إنْ ثبتت مخالفته لقوانين أقرتها حكومة كان عضوًا بارزًا فيها.

لا ينتهي الأمر هنا، فوزير الخزانة السابق أثقل كاهل البريطانيين بضرائب جديدة أصدرها عندما كان في منصبه. ناهيك بزوجته التي اتُّهمت بالتهرب من دفع الضرائب عبر اللجوء لقوانين تجعل نشاط عائلتها التجاري خارجيًّا وليس محليا.

كل هذه الانتقادات تمثل مادة خام لمعارك كبيرة ستشنها المعارضة بأحزابها وإعلامها على وزير الخزانة السابق إنْ قاد المحافظين في الانتخابات العامة عام 2024.

إنْ لم يكن “سوناك”، فهي “تراس”، التي يخلو تاريخها في حكومة جونسون من أي أخطاء قد تلاحقها، وتكون منصة لمهاجمتها من قبل المعارضة.. وما يزيد من فرص وزيرة الخارجية أيضًا أنها تنتمي إلى المحافظين التقليديين، الذين يؤمنون بحرية الأسواق، وفي ذات الوقت تريد تخفيف أعباء الحياة والمعيشة على البريطانيين.

وصول “تراس” إلى قيادة المحافظين والدولة يُحرج حزب العمال، الذي لم تصل امرأة إلى قيادته طوال تاريخه.. حتى إن انتخابات عام 2015، التي فاز فيها جيرمي كوربي بزعامة الحزب لم تكن فيها مرشحات ينافسنه على المنصب.

حتى وجود مرشح مثل “سوناك” ينتمي لأقلية عرقية في انتخابات زعامة المحافظين، يسجَّل ضد المعارضة العمالية التي تملك كثيرا من النواب ذوي الخلفيات العرقية والدينية، ولكنهم لا ينافسون الرجال أصحاب البشرة البيضاء على قيادة الحزب.

استطلاعات الرأي ترجح أن يكرر الحزب تجربة القيادة النسائية. وفي هذا التكرار ضمان لاستمرار نهج بوريس جونسون في قيادة الدولة.

ثمة قاعدة كبيرة من نواب الحزب الحاكم يريدون هذه الاستمرارية بحجة أنها ناجحة، ويقولون إن الفضائح التي طالت “جونسون” كانت شخصية الطابع، ولا تعكس رفضا شعبيا لأداء الحكومة.

ثمة رغبة أوروبية أيضا في فوز ليز تراس.

وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عبّر عن ذلك صراحة في تغريدة على تويتر، آملا في أن تحافظ المملكة المتحدة “تحت قيادة تراس” على دعمها السخيّ لبلاده في مواجهة الروس.

أما قادة الاتحاد الأوروبي فيتوقعون أن يكون “سوناك” عدائيا، وليس تصالحيا، في التفاوض معهم حول مجمل نقاط الخلاف، التي نشأت بعد انفصال لندن وبروكسل.

هناك خشية أوروبية من نيّات وزير الخزانة السابق بإبطاله قوانين الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال سارية المفعول في بريطانيا بعد “بريكست”.

فـ”سوناك” قال لنواب حزبه إنه خلال الـ100 يوم الأولى من توليه رئاسة الوزراء سيتعامل مع نحو 2400 من القوانين واللوائح المتعلقة بالتكتل و”يمزقها” ليسترد “استقلال” المملكة المتحدة.

الخصومة الفجة للاتحاد الأوروبي لا تريح فئة كبيرة من المحافظين، والبريطانيين عمومًا.. فمثل هذه الخصومة قد تدفع دول التكتل للتحالف ضد المملكة المتحدة، ورفض التفاهم معها على نقاط خلافية عدة في اتفاق التجارة المبرم بين الطرفين بعد “بريكست”، وحتى في قضايا أخرى مثل المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين.

في دولة مثل بريطانيا يتمتع فيها الإعلام بقوة كبيرة، تدرس الأحزاب السياسية مرشحيها للمناصب القيادية بكل دقة.. فالقائد يجب أن يكون مصدر قوة للحزب، وليس موطن ضعف يُخشى منه دائمًا.

الخيار الأفضل أن يكون المرشح صاحب سجل أبيض وشخصية كاريزمية مقنعة.. ولكن الانقسام الذي يعيشه المحافظون اليوم بين المرشحَيْن لخلافة “جونسون” يقول: لا “سوناك” ولا “تراس” يجمع بين “الحُسنيين” ليكون الزعيم المثالي لبريطانيا خلال الفترة المقبلة.

وحده الوقت من يملك القول الفصل في تحديد مستقبل الحزب الأزرق تحت قيادة “سوناك” أو “تراس”، من الآن وحتى موعد الانتخابات العامة في عام 2024.. لطالما كان المحافظون قادرين على خلق المفاجآت وقلب الكفة لصالحهم في الظروف السيئة، ولكن هناك مَن بات يعتقد بينهم -المحافظين- أن الحزب إذا ما جلس على مقعد المعارضة بعد الانتخابات المقبلة، فلن يبرحه إلا بعد عقد من الزمن على الأقل.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى