باريس ترغب في كسب الجزائر دون خسارة المغرب
تشير تحركات فرنسية إلى معادلة دبلوماسية مركّبة وشديدة التعقيد تقوم على كسب الجزائر وفي نفس عدم خسارة الشريك المغربي وهي معادلة تبدو عمليا صعبة التحقيق في ظل تمسك المملكة بمقاربة دبلوماسية واضحة لا لبس فيها أرسى دعائمها العاهل المغربي الملك محمد السادس حين أكد أن بلاده تنظر لعلاقاتها الخارجية من منظار مغربية الصحراء وهو أمر يعمل النظام الجزائري عبثا على تقويضه.
وتحاول الجزائر تحريك لوبيات معادية لمصالح المملكة في دوائر صناعة القرار الفرنسي على أمل دفع الإليزيه لعدم الاعتراف بمغربية الصحراء على الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلف وزير خارجيته ستيفان سيجورنيه بالعمل على تحسين العلاقات مع المغرب وقد أقر بأن بلاده تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي طرحته الرباط في العام 2007 أساسا وحيدا وواقعيا لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.
وعبر إعلانه هذا الأسبوع أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون سيقوم بزيارة دولة لفرنسا في الخريف، أشار الرئيس الفرنسي بوضوح إلى أن تنشيط العلاقات مع الرباط لا يعني تباعدا مع الجزائر.
وكلف ماكرون وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه بكتابة فصل جديد في العلاقات مع المغرب بعد سنوات من الخلافات الدبلوماسية المرتبطة خصوصا بالتقارب بين باريس والجزائر.
وخلال زيارته إلى الرباط في 26 فبراير/شباط الماضي قال سيجورنيه إنه اختار المغرب لزيارته الأولى للمنطقة بعد توليه حقيبة الخارجية.
وسبق هذه الزيارة حفل استقبال في قصر الإليزيه نظمته السيدة الأولى بريجيت ماكرون لأخوات العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ويرى المؤرخ والأستاذ بجامعة السوربون بيار فيرميرين أن “التزامن” الذي يريده الإليزيه “ليس خيارا، بل هو ضرورة لفرنسا التي يجب أن تكون لها علاقات سليمة مع المغرب والجزائر“.
ويضيف أن “أحداث الشرق الأوسط واحتدام الحرب في أوكرانيا والصعوبات في منطقة الساحل تفرض التحلي بالحكمة”، مشيرا إلى أن هذه “الرغبة تتقاسمها الدول الثلاث التي تحتاج الواحدة الى الأخرى”.
وداخليا، تعرض إيمانويل ماكرون إلى ضغوط قوية لإعادة التوازن إلى دبلوماسيته في المغرب العربي، فقد ضغط العديد من البرلمانيين والسياسيين وحتى الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي من أجل تنشيط العلاقات مع الرباط، كما يوضح الباحث في مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي.
ويؤكد عبيدي أنه تم إبلاغ رسالة واضحة مفادها أن “فرنسا لن تكسب الجزائر وتخاطر بخسارة المغرب”. وبالنسبة للرباط، تبيّن في نهاية المطاف أن باريس شريك أكثر موثوقية على المدى الطويل من الولايات المتحدة أو إسرائيل، وفق بيار فيرميرين الذي يؤكد أن الدولة العبرية فقدت مصداقيتها على الساحة العربية منذ بدء الحرب مع حماس في غزة.
وفي الوقت نفسه، تبدو اللحظة أكثر ملاءمة للتقارب مع الجزائر التي لم تستفد من الفراغ الذي تركه الفرنسيون في منطقة الساحل. والأسوأ من ذلك، يبدو أن الجزائر تجد نفسها في موقف فرنسا نفسه في مالي، بعدما أنهى المجلس العسكري الحاكم اتفاق الجزائر المبرم عام 2015 مع الجماعات الانفصالية في شمال البلاد والذي اعتبر لفترة طويلة ضروريا لتحقيق الاستقرار.
ويتابع الأستاذ في جامعة السوربون أن منطقة الساحل “تجتذب كل قوى الهيمنة… وهذا يزعج المغرب والجزائر وفرنسا، ما يخلق أرضية للتوافق”، مضيفا أن قضية الساحل ليست محورية في المصالحة لكنها “تساهم فيها”، غير أن تحسين العلاقات بشكل مستدام مع كلا البلدين في وقت واحد يظل مسألة صعبة.
ويذكر الخبراء أنه بالنسبة للرباط، تظل مسألة الاعتراف بمغربية الصحراء ضرورية لتحقيق المصالحة الكاملة مع باريس وعن هذا الموضوع الحساس، يشير حسني عبيدي إلى أن وزير الخارجية الفرنسي أقر بأن هذه “مسألة وجودية بالنسبة للمغرب”.