سياسة

«القاعدة» التي تركها الظواهري

إسفنديار مير


عندما أعلن الرئيس جو بايدن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان العام الماضي، كان أحد مبرراته الرئيسية تدهور تنظيم «القاعدة» لدرجة أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة للمحافظة على وجودها العسكري في بلد كان يُستخدم ملاذاً آمناً للتنظيم الإرهابي. كما تعهد بايدن بإلزام «طالبان» بتعهدها بعدم السماح للإرهابيين بتهديد الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية.

بعد أقل من عام من استكمال «طالبان» استيلاءها على أفغانستان، يختبئ زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في منزل في وسط كابل، حيث لقي مصرعه في غارة أميركية بطائرة مُسيّرة.

على الرغم من عشرين عاماً من الحرب، وعشرات الآلاف من القتلى، ومئات الساعات من المفاوضات بين الدبلوماسيين الأميركيين وحركة طالبان، بما في ذلك بشأن مستقبل تنظيم «القاعدة» في أفغانستان، فإن حركة طالبان شعرت بالجرأة. ويبدو أن الحركة لم تتورع عن استضافة الزعيم الأعلى لشبكة الإرهاب، مثلما فعلت في فترة ما قبل 11 سبتمبر (أيلول)، في منزل آمن يملكه أحد كبار مساعدي زعيم «طالبان» البارز سراج الدين حقاني.

تُصور إدارة بايدن مقتل الظواهري بأنه نجاح في مكافحة الإرهاب، معتمدة على فرضية أن أفغانستان لن تكون ملاذاً للإرهابيين برغم عودة «طالبان» إلى السلطة. وأغفل الرئيس بايدن أي ذكر لـ«طالبان» في خطابه الذي أعلن فيه الهجوم على الظواهري.

من الواضح أن الإدارة أساءت الحكم على مسار تنظيم «القاعدة» في أفغانستان ونفوذ الولايات المتحدة على حركة طالبان. وقد انتظرت «القاعدة» بصبر عودة «طالبان» إلى السلطة، ونجحت في استغلال انسحاب الولايات المتحدة لوضع زعيمها تحت حماية حركة طالبان في العاصمة الأفغانية. ومن جانبها، انتهكت حركة طالبان وعودها بعدم التعاون مع الجماعات الإرهابية، وبقيت على ما يبدو ملتزمة باستضافة تنظيم «القاعدة» وحمايته.

كانت للظواهري سمعة طويلة كشخص يفتقر إلى الغرائز الاستراتيجية الكبرى علاوة على الكاريزما الشخصية بالغة الجذب لأسامة بن لادن. في عام 2011، وصفه جون برينان، الذي كان مساعداً للرئيس باراك أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، بأنه «طبيب مُسن يفتقر إلى جاذبية بن لادن وربما ولاء واحترام الكثيرين في تنظيم (القاعدة)».

لكن نظرة متأنية إلى تنظيم «القاعدة» على مدى العشرية الماضية، توضح أن الظواهري كان رأس الحربة في الحشد المطرد للتنظيم بعد اغتيال الولايات المتحدة لابن لادن عام 2011، فقد تمكن من غرس الشعور في أوصال التنظيم بأنه يمثل الطليعة العالمية، مشدداً على الوحدة والتماسك السياسي. ولم يكن هذا النهج في كثير من الأحيان جاذباً للجهاديين الشباب المحتملين الذين رغبوا في الانخراط في المزيد من العنف لكنهم ساعدوا «القاعدة» على تثبيت أقدامها في خضم الخسائر الناجمة عن غارات الطائرات الأميركية المسيّرة.

حتى بعد انشقاق بعض فروع «القاعدة» في العراق وسوريا وتحولها إلى منافس شرس في شكل تنظيم داعش، تمكن الظواهري من تعزيز شبكة هائلة من الفروع في جميع أنحاء أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط. فقد جال في علاقة معقدة مع الحكومة الإيرانية، والأهم من ذلك محافظته على علاقة «القاعدة» الاستراتيجية مع «طالبان». وبحلول 2022، كان يقود التنظيم مجدداً من خلال الرسائل والاستفزازات العامة عبر المقاطع المرئية والصوتية، وتوفير التوجيه الاستراتيجي للفروع التابعة للتنظيم. الأهم من ذلك، بحسب الحكومة الأميركية، أنه كان يُصدر التوجيهات للتنظيم من كابل بشأن استهداف الولايات المتحدة.

من المؤكد لشبكة «القاعدة» العالمية المعاناة من وطأة فقدان الظواهري. وقد لا تكون خلافة قيادة التنظيم واضحة نظراً لأن بعض القادة، المفترض أن يخلفوا الظواهري، كانوا في إيران حتى العام الماضي بحسب ما ورد من أنباء. وكأعضاء في حركة سلفية – جهادية معادية للشيعة بشدة، فإن ارتباطهم بدولة دينية شيعية مثل إيران قد يلوث سمعتهم. ولكن من المرجح أن يدير تنظيم «القاعدة» العملية الانتقالية؛ حتى إنه قد يكون قادراً على الاستفادة مما يسمى «استشهاد الظواهري» للظهور بمظهر التنظيم القوي.

سوف يرث الزعيم الجديد لـ«القاعدة» تنظيماً أكثر شراسة وخطورة من الذي خلفه بن لادن للظواهري. واليوم شرعت فروع «القاعدة» في شرق أفريقيا ومنطقة الساحل في التحرك، ولا تزال حركة طالبان توفر الحماية للأعضاء الأساسيين في «القاعدة»، كما يتبدى من وجود الظواهري في كابل، وغيرها من الجماعات الإرهابية، مثل حركة طالبان الباكستانية، المنحازة لتنظيم «القاعدة». وربما يواصل الزعيم الجديد التفاخر بنصر «طالبان» في أفغانستان بأنه انتصار للتنظيم، ووضع الجماعة في وضعية هجومية، الأمر الذي قد يسفر عن مزيد من العنف الإرهابي.

أين يترك هذا الأمر الولايات المتحدة؟ يمكن لإدارة بايدن الإحساس ببعض الارتياح لحقيقة أن لديها استراتيجية عسكرية قابلة للتطبيق «عبر الأفق» في أفغانستان القارية، تجمع بين المراقبة والشركاء السريين داخل أفغانستان وإمكانات الهجمات الدقيقة والعلاقات الإقليمية، لتحديد مواقع التهديدات وتعطيلها من دون الحاجة إلى نشر الجنود على الأرض.

لكن لا مفر من حقيقة مفادها أن تنظيم «القاعدة» ما زال مستمراً في التفشي تحت حكم طالبان، ما يعني أن التفاعل بين الولايات المتحدة وحركة طالبان خلال السنوات القليلة الماضية قد فشل. وقد استند هذا التفاعل إلى الاعتقاد بأن «طالبان»، التي استضافت بن لادن قبل 11 سبتمبر، سوف تغير أساليبها وتسعى إلى إقامة علاقات أفضل مع العالم، وتمنع أفغانستان من التحول لملاذ آمن للإرهابيين. إن لجوء الظواهري إلى كابل يوضح أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد على «كلمة» طالبان.

من غير المستغرب أن ترى حركة طالبان في استهداف الظواهري في كابل ضربة لشرفها الجهادي، وانتهاكاً للسيادة الأفغانية، والاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان سنة 2020، ويمكنها الرد عبر زيادة دعمها لتنظيم «القاعدة» والجماعات الإرهابية المتحالفة معه في أفغانستان. (تقول الحكومة الأميركية إن حركة طالبان انتهكت مبادئ الاتفاق باستضافتها الظواهري).

نجاح استهداف الظواهري في كابل لا يعني أن التهديد قد انتهى الآن. وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أن تنظيم «القاعدة» يعاود الظهور من جديد في أفغانستان، وأنه برغم العقوبات، فإن حركة طالبان مرتاحة وآمنة وتستطيع توجيه التهديدات ضد المنطقة وضد العالم الغربي.

* أحد كبار الخبراء في معهد الولايات المتحدة للسلام. تركز أبحاثه على سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب مع التركيز الإقليمي على أفغانستان وباكستان ــ

خدمة «نيويورك تايمز»

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى