من إعجابه بفكر سيد قطب، لدخوله جماعة الإخوان الإرهابية، مرورًا بتأسيسه ما يسمى “تنظيم جهاد الإسلام”، وصولا إلى زعامة “القاعدة”، وقف أيمن الظواهري وراء إرهاب في أفريقيا وآسيا والخليج وأمريكا.
إلى هنا استحق “الظواهري” بجدارة لقب “رمز الإرهاب العالمي”، قبل أن تصطاده المخابرات الأمريكية بقصف صاروخي على شرفة شقة كان يسكنها في قلب العاصمة الأفغانية، كابول، ولعل سكنه في هذه المنطقة يطرح عشرات التساؤلات، التي يمكن تلخيصها في سؤال واحد، وهو: كيف لرجل مثل “الظواهري” تلاحقه المخابرات الأمريكية منذ نحو ثلاثة عقود يسكن في قلب كابول ويخرج إلى شرفة شقته؟
في الواقع، ثمة مَن يرى أن “الظواهري” اعتقد أن خروج الأمريكان من أفغانستان قبل نحو سنة، أعطاه الإحساس بالطمأنينة للإقامة في كابول والتجول فيها، بل وإدارة نشاطه منها، دون أن يدرك أن نهايته ستكون فيها.. فطالما جنّدت الولايات المتحدة ملايين الدولارات ومئات الجواسيس وإمكانات تكنولوجية متطورة للوصول إلى رأسه، خاصة بعد مقتل معلمه، “بن لادن”، ومن بعده تصفية سلسلة من زعماء تنظيم “داعش” الإرهابي، على رأسهم أبو بكر البغدادي، في منطقة على الحدود السورية-التركية.
الولايات المتحدة الأمريكية قالت في مقتل “الظواهري” إن لديها أسانيد قانونية على أن “الظواهري” كان من أهم مخططي تفجيرات نيويورك، والهجمات التي طالت عددًا من سفاراتها في أفريقيا، وكذلك الهجوم على مدمّرتها “يو إس إس كول” في اليمن، وأبعد من ذلك، فإن اتفاق الدوحة بين الإدارة الأمريكية وحركة “طالبان” نصّ على عدم استضافة أفغانستان أي شخص يهدد أمنها القومي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد تشدد على حركة “طالبان” في الأيام المقبلة، حيث لدى واشنطن مليارات أفغانية متحجزة في بنوكها.
لكن الأهم بالنسبة للإدارة الأمريكية تلك الرسائل، التي خرجت بها من مقتل “الظواهري”، إذ إن مقتله بعملية استخباراتية دقيقة مكّنت الإدارة الأمريكية من القول إن انسحابها من أفغانستان لن يؤثر في نشاطها ضد المنظمات الإرهابية وقادتها، وإنها قادرة على الوصول إليهم في الوقت المناسب، والأهمية هنا مضاعَفَةٌ لإدارة “بايدن”، مع اقتراب موعد ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وعقبه موعد استحقاق الانتخابات النصفية للكونجرس، حيث تراجعت شعبية الرئيس “بايدن” وحزبه الديمقراطي، وسط اعتقاد بأن قتل “الظواهري” قد يُسهم في تحسين صورته والديمقراطيين عمومًا في الداخل الأمريكي.
دون شك، فإن مقتل “الظواهري” وجّه ضربة قوية لتنظيم “القاعدة” وباقي التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”الإخوان”.. خاصة أن “الظواهري” كان يحاول في الفترة الأخيرة جمع هذه التنظيمات تحت راية واحدة للنشاط الإرهابي بعد اعترافه بأن جميعها فشلت، وإن لم تتوحد صفوفها فإنها ستُمنى بهزيمة، ومع مقتله، يمكن القول أيضا إن التنظيم بات أمام مفترق طرق بسبب أزمة “خلافة” كحال “داعش”.. لكن كل ما سبق لا يعني نهاية الإرهاب وتنظيماته، خاصة بعد أن انتشرت الأخيرة بشكل كبير في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية، ما يعني حاجة العالم، لا سيما الإدارة الأمريكية، إلى إضافة مسارات ثقافية واجتماعية وقانونية واقتصادية واجتماعية لاستراتيجية استهداف رؤوس الإرهاب ورموزه، إذ دون ذلك ستبقى مكافحة الإرهاب والتطرف في إطار النهج الأمني، وهو ما لن يقضي عليه في ظل انتشار هذه التنظيمات، وتغلغلها في بيئات فقيرة ومتوترة، وقدرتها على استغلال “المظالم” ومظاهر الخلل والفوضى لممارسة الإرهاب من أوسع أبوابه.