سياسة

الصواريخ وتغيّر التحالفات والتاريخ

عبدالله بن بجاد العتيبي


تفشي الصواريخ الباليستية وغير الباليستية في منطقة الشرق الأوسط أصبح ظاهرةً، وصار من المهم لهذه الظاهرة أن توقظ المجتمع الدولي، وأن يتحمل مسؤولياته عنها وعن الجهات التي تطلقها وتدعم تفشيها.

صواريخ تنطلق من الشمال باتجاه المنطقة الشرقية في السعودية، حيث منابع النفط ومصانع تكريره وتصديره، وأخرى تستهدف السعودية من الجنوب، حيث مليشيات “الحوثي”، وصواريخ كانت تخرج من لبنان باتجاه إسرائيل، ثم توقفت بعد هزيمة “حزب الله” النكراء في 2006، وصواريخ ما زالت تنطلق من قطاع غزة، الخاضع بالكامل لسلطات حركة “حماس” الإخوانية، وصواريخ تضرب القوات الأمريكية في العراق، وغيرها من الصواريخ التي تملأ فضاء المنطقة، وتبدو بلا خطام ولا زمام.

هذه التحركات العسكرية الصاروخية الإرهابية تقع في منطقةٍ بين “الهدنة” و”الحرب التقليدية”، وهي إلى الحرب أقرب، بالإضافة إلى الاستهداف المستمر لخطوط الملاحة الدولية في خليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، وهي -كذلك- من ضمن هذه التحركات العسكرية الإرهابية، ومعنى أنها لم تصل إلى حربٍ تقليدية هو أنها تُدار من طرفٍ واعٍ ويخطط وينفذ بدقةٍ تبعده عن أي نوعٍ من أنواع “الهدنة” أو “السلام”، وتضمن في الوقت نفسه عدم وصوله إلى “حرب تقليدية” كاملةٍ وشاملةٍ كما تبعده عن الإدانات الدولية الواضحة والصريحة.

مثيرٌ للاستغراب أن تكون كل التحقيقات الدولية والتحقيقات داخل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تشير بالمعلومات والتفاصيل والتواريخ والأسماء إلى الجهة المسؤولة عنها، ومع ذلك فالخيار الغربي معها ليس العقوبات ولا الضغوط، بل “التفاوض” والحوار.

ومثيرٌ للاستغراب بشكل أكبر أن تتوجه الدول الغربية إلى الضغط على الحلفاء التقليديين وافتعال الأزمات معهم واستجرار بعض المعلومات المغلوطة وتكرارها وترديدها، حتى بعد ما افتضح أصلها وتناقضها وانهيار الأسس، التي بُنيت عليها.

الوعي بالتاريخ ودوراته والواقع وتحدياته وتشابكاته يمنح القارئ والباحث والمحلل ومراكز الدراسات مساحةً واسعةً لتصوّر المشهد وقراءة المستقبل وبناء الأفكار، وهي مساحة تختلف عن المساحة، التي تكون لدى صانع القرار، الذي تحكمه مصالح متشابكة وتوازنات معقدة ومسؤوليات ضخمة تلزمه بالعقلانية والواقعية السياسية لحصد المصالح ومواجهة التحديات وتجنب الأضرار.

من هنا، فإن قراءة التوجهات السياسية وتياراتها ورموزها في الدول العظمى حول العالم بالغ الأهمية والضرورة، وبخاصةٍ حين يتحدث عنها وعن تفاصيلها صنّاع القرار أنفسهم، وربط ذلك كله بما جرى في منطقة الشرق الأوسط على مدى العقود الماضية، وبشكل أخص ما جرى خلال عقدٍ من الزمان في العالم العربي فيما كان يعرف بـ”الربيع العربي” وهو ربيع “استقرار الفوضى” و”غوغائية الجماهير” و”الربيع الأصولي” وأحداثه وآثاره ماثلة للعيان وقريبة الحضور في الأذهان.

يستغرب كثيرٌ من المراقبين والمحللين قراراً بحجم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وآثاره على المنطقة بشكل كاملٍ، ولكن هذا الاستغراب يخفّ ولا يزول حين تتمّ قراءته ضمن السياق السياسي والثقافي والاقتصادي، الذي صدر فيه، ومواقف الفاعلين في اتخاذه وتنفيذه معلنةٌ ومنشورةٌ وليست سريةً، وهي متاحةٌ للجميع بشتى الطرق.

إسقاط الدولة العراقية في 2003 أسفر عن تداعيات جسيمة، وهذا ربما يتكرر، وإنْ بدرجة أقل، مع سقوط النظام السياسي في أفغانستان، ومع كل الأبعاد والتأثيرات التي ستنتج عنه في المستقبل القريب.

أخيراً، فإن التاريخ معلمٌ ورائدٌ، والرائد لا يكذب أهله كما تقول العرب، ومما يقوله التاريخ إن التحالفات كما تنشأ وتتعزز وتتقوّى، فإنها تضعف وتتخلخل وتنتهي، ولكن شيئاً من ذلك لا يحدث بين عشيةٍ وضحاها، بل بالتدرج والتغييرات، التي تطرأ وتتجدد بشكل بطيء، ولكن أكيد المفعول.

نقلا عن الاتحاد الإماراتية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى