سياسة

الإخوان “الفاسدون”

منير أديب


كشفت صراعات تنظيم الإخوان الإرهابي الأخيرة عن وجه فساد جديد، إذ يبدو ملفتًا اتهام الجبهات الإخوانية المتصارعة لبعضها، فمصطلح “الفاسدون” هنا هو قراءة الإخوان لأنفسهم.

نجح تنظيم الإخوان في تسويق صورة غير صحيحة عن نفسه بادعائه الإصلاح، فأي إصلاح ينشده تنظيم يعج بالفساد من داخله؟! فقادته متهمون بالفساد المالي والأخلاقي والتنظيمي.

مثلا الدكتور أمير بسام، عضو ما يسمى “مجلس شورى الإخوان” سبق واتهم قياداتِ الجماعة “محمود حسين، أمين عام التنظيم وعضو مكتب الإرشاد، وإبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي”، ومعهما قادة آخرون مثل محمود الإبياري، بأنهم “فسَدة”، واستشهد في ذلك بأنهم أنفقوا أموال الهبات “على أنفسهم”، رغم أن هذه الأموال ملك التنظيم! واصفًا هذا السلوك بـ”الفساد المالي”.

أما الفساد التنظيمي، فشكل آخر من أشكال الفساد وجّه فيه أعضاء التنظيم الاتهام لقادته في الجبهات المتصارعة، سواء جبهة محمود حسين أو جبهة إبراهيم منير، فأغلب أعضاء التنظيم والأتباع يرون أن التنظيم “خرج عن الخط المرسوم له”، وأن قادته “خدعوهم بادعاء الصلاح والإصلاح”.

اتهم إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، والذي سمّى نفسه قائمًا بعمل المرشد، رديفه في التنظيم، محمود حسين، أمين عام التنظيم وعضو مكتب الإرشاد، بأن الأخير كانت تصل إليه تكليفات من القائم بعمل المرشد، محمود عزت، قبل أن يتم القبض عليه في أغسطس عام 2020، إلا أنه كان يخفيها عنه، وبالتالي يحكم بما يخُالف رأي القيادة في هذا الوقت!

في المقابل يتهم محمود حسين، إبراهيم منير بأنه “فاسد”، كونه “رفض الاحتكام للائحة الرئيسية داخل التنظيم”، والتي تُعطي ما سماه “الشرعية” لما يسمونه “مجلس شورى الجماعة”، بينما لا تُعطيه الحق في القرارات التي أخذها. فيما هناك جبهةٌ ثالثة في التنظيم تسمى “المكتب العام” أو من اصطُلح على تسميتهم بـ”الكماليين”، يتهمون الجبهتين المتصارعتين “منير ” و”حسين” بأنهما “مجموعتا الفَسَدة”.

اتهام “منير” السابق لـ”حسين” بأنه كان يكذب عليه، من خلال حجب معلومات أو إيصال أخرى غير صحيحة، يكشف وجه التنظيم الحقيقي، فالفساد بلغ حده تنظيميًا وماليًا، ووصل إلى مستويات قياسية في الكذب، وهذه كلها اتهامات يوجهها الإخوان لأنفسهم، ودور الكاتب ينحصر في استعراضها ثم قراءتها من واقع التحولات التي يمر بها التنظيم الإرهابي الخائن.

السؤال: إذا كان الإخوان يتمتعون بهذا القدر من الفساد الداخلي، فكيف يدعون إلى الإصلاح؟ هل فاقد الشيء؟!

لقد تمكن التنظيم طوال تسعة عقود في التعمية على أوجه الفساد داخله، فما كان يُنشر عن التنظيم هو أقل بكثير مما كان يحدث فيه، وكانت الجماعة تعتبر كل ما يخص التنظيم “شأنا خاصا تُعاقب كل من يتعرض له أو ينشره على الإعلام”.

بهذه الطريقة نجح الإخوان في تصدير صورة تُخالف واقعهم الذي يعج بالفساد والصراع على المناصب، غير أن الصراعات الأخيرة كشفت حقيقتهم، فلم يعودوا قادرين على تصدير زيفهم.. بعدما انفضح سلوكهم السياسي المتخفي وراء أيديولوجيا إسلاموية تتلاعب بالدين لكسب أصوات انتخابية وكراسيّ سلطة ونهب أموال وخديعة الناس بأوهام كـ”الخلافة” وما شابهها.

كل الفسَدة لا يجدون غضاضة في ممارسة الفساد وادعاء الفضيلة معا، وفي تنظيم الإخوان تجد المتناقضات وقد اجتمعت في الأفراد وكيان التنظيم ومبادئه لأجل هدف واحد: “سلطة ومال”.. ولعل ادعاء ما ليس فيهم هو نوع فريد من أنواع الفساد تتلبس كل جماعة من جماعات الإسلام السياسي، وليس الإخوان فقط.

رحلة هذه التنظيمات قصير حتى ولو طالت، فهي تموت غالبا من داخلها.. تموت بفعل نخر الفساد في عظامها الهشة المبنية على السرقات والكذب والتدليس.. مسكوا أبواقهم ونادوا في الناس لسنوات بتطبيق “الديمقراطية”، وحين تسلموا السلطة في غفلة، رأت الشعوب منهم دكتاتورية إخوانية بغيضة، هي لُب صراعهم بينهم وبين أنفسهم الآن، فكل جبهة من جبهات التنظيم المفكك تتهم الأخرى بأنها “زوّرت إرادة أعضاء التنظيم بالتدخل السافر في الانتخابات”.

ذاكرة النّاس حيّة، ووعي المواطن بات علامة مميزة على صحة موقفه، فما كان للشعوب العربية أن تواجه الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي إلا بوعي استقر داخلها، ولا يمكن أن تستمر في معركة المواجهة إلا بهذا الوعي الذي أعاد تسمية الإخوان في خانتهم الصحيحة، خانة الفاسدين.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى