إذاعة BBC تلحق بالملكة
أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الجمعة الماضية إغلاق إذاعتها الموجهة بعدد من اللغات بما فيها اللغة العربية، ضمن خطة تقشف شملت الاستغناء عن 400 موظف ووقف بث 41 محطة إذاعية.
مجموعة من القرارات المؤلمة ضمن مخطط أكبر يسعى لخفض ميزانية الهيئة الكلية بنحو 500 مليون جنيه استرليني. يقول المسؤولون عن الإذاعة إن المتسبب فيها حكومة بلدهم.
وقالت مديرة الخدمة العالمية في “بي بي سي” ليليان لاندور في بيان لها إن هناك “حجة مقنعة” لتوسيع الخدمات الرقمية، فقد زاد عدد المشاهدين أكثر من الضعف منذ عام 2018.
وتعتمد هيئة الإذاعة البريطانية في تمويلها على “رسوم الترخيص”. وهي قيمة تقارب 160 جنيهًا استرلينيا تدفعها كل أسرة عند شراء جهاز تلفزيون.
لكن قصة الأزمة الاقتصادية لم تكن في واجهة المتابعة العربية لأزمة بي بي سي، إذ سيطرت أجواء شجية على علاقة ملايين العرب في الشرق الأوسط بالإذاعة التي تعد عمليا إذاعة الاحتلال.
ورغم العلاقة المعقدة بين إذاعة البلد التي احتلت عدة أقطار في الشرق الأوسط منذ القرن التاسع عشر ودشنت بثها الموجه في أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم، اعتمد المتابعون في العالم العربي على مصداقية الإذاعة البريطانية في كثير من القضايا.
رواد السوشيال ميديا ينعون الإذاعة
وفي مفارقة لا تخلو من معنى، كانت وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر تعبيرا عن الحزن تجاه إغلاق الإذاعة.
وحفلت تعليقات رواد السوشيال ميديا بانتقادات لقرار وصفوه بـ”الكارثي”، فيما اعتبره آخرون سوء تقدير من الهيئة البريطانية بالنظر للشعبية الكبيرة والمصداقية العالية التي تحظى بها الإذاعة العربية في الشرق الأوسط.
وحملت تغريدات وتدوينات على موقعي “تويتر” و”فيسبوك” حالة الحزن التي سيطرة على المتابعين الذي كتبوا عن ذكرياتهم مع الإذاعة التاريخية.
“بي بي سي” ليست الوحيدة
لكن على ما يبدو ليست هيئة الإذاعة البريطانية هي الجهة الوحيدة التي تتخذ إجراءات مؤلمة نحو الرقمنة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.
فاعتبارا من مطلع الشهر الجاري ودّع راديو “سوا-المشرق” موجات إذاعة إف أم فضلا البث عبر المنصات الرقمية.
وقال حسان الشويكي، رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال بالوكالة في مسعى لتوضيح القرار: “بما أن الشباب تحت سن الـ35 يشكلون نحو 60% من سكان العالم العربي، فإن التحول من الإذاعة إلى العالم الرقمي يشكل عنصر جذب يسمح بالتفاعل مع الجيل الجديد”.
تاريخ حافل
بعد نحو عقدين من تأسيس هيئة الإذاعة البريطانية كانت النقاشات تدور قبيل الحرب العالمية الأولى حول بشأن المعايير المهنية التي يجب أن تتوفر في الإذاعات الموجهة التي انطلقت عمليا في عام 1938.
بدأت هيئة الإذاعة البريطانية في بث برامجها باللغة العربية لمدة 65 دقيقة لتكون بذلك واحدة من أعرق الخدمات الإخبارية في تاريخ بريطانيا.
وبعد نحو 5 أعوام من انطلاقتها تقرر مد ساعات البث باللغة العربية إلى ساعتين، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بلغت مدة البث 3 ساعات.
واستمرت الإذاعة في عملها حتى العدوان الثلاثي على مصر والذي شاركت فيه بريطانيا بالتحالف مع فرنسا وإسرائيل بعد قرار القاهرة تأميم قناة السويس في عام 1956. حيث مثل تحديا حقيقيا لمصداقية الإذاعة الموجهة، لكن السنوات اللاحقة كانت كفيلة بتغيير الصورة في ذهن المستمع العربي حتى باتت بي بي سي واحدة من أكثر وسائل الإعلام مصداقية لدى الجماهير في الشرق الأوسط، وإن ظلت ملفات تعيدها رغم ذلك إلى المنطقة الرمادية للشك.