أفريقيا تحت مجهر ترامب: استراتيجيات جديدة أم تراجع في الاهتمام؟
صدع ولاية دونالد ترامب الأولى لا يزال واضحا على ملامح العلاقات الأمريكية الأفريقية، وبعودته قد تحدث صحوة تماما كما قد تتجه نحو الأفول.
ولاية ثانية من الصعب أن تستشرف القارة السمراء ملامحها، وهي التي تعرف أنه حين يتعلق الأمر بترامب، فإن كل سيناريوهات العلاقات واردة.
صدع
ويأتي فوز ترامب في وقت تعاني فيه العلاقات الأمريكية الأفريقية من تصدعات كبيرة، انتهت بضعف نفوذ واشنطن في القارة، وبلغ الأمر حد إلى إخراج قواتها من بعض دول غربها.
فكيف تنظر أفريقيا لفوز ترامب، وهل يمكن أن يرمم الرئيس المنتخب ما فشلت فيه إدارة سلفه جو بايدن؟ أم أنه سيتبنى نفس سياساته القديمة التي لم تكن تركز على القارة السمراء؟
يرى الدكتور حمدي عبد الرحمن، الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، أن فوز ترامب قد يعني «أخبارا سيئة لأفريقيا»، مشيرا إلى «آثار كبيرة على القارة».
ويقول عبد الرحمن إنه «من المحتمل أن يعيد تشكيل علاقة القارة بأمريكا عبر العديد من المجالات الرئيسية».
ويضيف: «قد يكون لشعار ترامب (أمريكا أولا) تأثيرات مختلطة على الاقتصادات الأفريقية، ومن المرجح أن تعطي إدارته الأولوية لاتفاقيات التجارة الثنائية على الاتفاقيات المتعددة الأطراف، والتي قد تفيد بعض البلدان الأفريقية الغنية بالموارد ولكنها تضر بالاقتصادات الأصغر».
وتابع أن «مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، الذي يسمح لبعض بلدان القارة بالتصدير معفاة من الرسوم الجمركية إلى أمريكا غير مؤكد، وقد أشار ترامب سابقًا إلى أنه قد لا يجدد قانون النمو والفرص في أفريقيا بعد عام 2025».
وبحسب الخبير، فإن ذلك قد يؤثر بشكل كبير على المستفيدين الرئيسيين مثل جنوب أفريقيا، مستدركا: «ولكن مع ذلك، قد تستمر إدارة ترامب في مبادرات مثل ازدهار أفريقيا ومؤسسة تمويل التنمية، التي أطلقت خلال ولايته الأولى لتشجيع الاستثمار الأمريكي في أفريقيا».
ويوضح: «يمكن أن توفر هذه البرامج فرصًا للنمو الاقتصادي والتنمية في جميع أنحاء القارة»، مشيرا إلى أن إدارة ترامب السابقة اقترحت تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية، والتي عرقلها الكونغرس.
ومع وجود أغلبية جمهورية أقوى في الكونغرس، يعتقد الخبير أن مثل هذه التخفيضات قد تواجه مقاومة أقل هذه المرة، وقد يؤثر هذا على برامج صحية حاسمة مثل «مبادرة الحكومة الأمريكية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز في أفريقيا»، والتي هددت إدارة ترامب سابقًا بتقليصها.
زيادة التنافس
عبد الرحمن لفت أيضا إلى أن موقف ترامب الصارم بشأن الهجرة خلال فترة ولايته الأولى، بفرض قيود على الهجرة على العديد من الدول الأفريقية، يؤثر بشكل كبير على المهاجرين الأفارقة.
وبالنسبة له، فإن ذلك أثار مخاوف بين المجتمعات الأفريقية في الولايات المتحدة، كما أن وعد حملته الانتخابية بترحيل مليون فرد غير موثق، قد يؤثر أيضا على العدد المتزايد من المهاجرين الأفارقة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
طرح آخر وهو أن سياسة ترامب قد تتضمن تكثيف أنشطة مكافحة الإرهاب من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، وقد تزيد إدارته من المشاركة العسكرية في المناطق التي تواجه تهديدات إرهابية، مثل منطقة الساحل والقرن الأفريقي.
ورجح الخبير أن تؤدي رئاسة ترامب إلى زيادة التنافس بين أمريكا والصين في أفريقيا، وقد تضغط إدارته على الدول الأفريقية للاختيار بين الحلفاء الاستراتيجيين، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في القارة.
وخلص إلى أن ما تقدم «قد يخلق تحديات للدول الأفريقية التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والقروض الصينية، بينما تقدر أيضًا علاقاتها بالولايات المتحدة».
لكن من الممكن أيضا أن تتوافق شكوك ترامب تجاه مبادرات الطاقة النظيفة وتغير المناخ مع رغبات بعض القادة الأفارقة في توسيع استخراج الوقود الأحفوري من أجل التنمية الاقتصادية.
ومستدركا: «ومع ذلك، قد يتعارض هذا الموقف مع الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، مما قد يؤثر على الاستدامة البيئية طويلة الأجل في أفريقيا».
فرصة جديدة
من جهته، أوضح الدكتور رامي زهدي، نائب رئيس مركز العرب للدراسات الأفريقية والباحث المصري في الشؤون الأفريقية، أنه من الشائع أن السياسات الأمريكية لا تختلف كثيرا باختلاف شخصية الرئيس أو الحزب الحاكم.
وقال زهدي إن «التجربة أثبتت أنه حتى إن بقيت السياسات واحدة، إلا أن آليات وأدوات التنفيذ تختلف كثيرا من رئيس لآخر، حتى أسلوب ومنهجية التعامل».
وأضاف أن ترامب رئيسا للمرة الثانية، وبالتالي يمتلك سجلا يمكن الرجوع إليه وقراءة وتوقع ما هو قادم من سياسات خاصة تجاه القارة.
وبصفة عامة، يتابع «تتسم السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا بأنها على الأغلب أقوال لا أفعال، وتعهدات دون التزام أو تنفيذ»، موضحا أن النظرة الأفريقية لفوز ترامب ستختلف هذه المرة نظراً للتحديات الكبيرة التي خلفتها سياسات الإدارة الأمريكية الحالية.
وقد يشمل ذلك بالخصوص التعامل مع القضايا الأفريقية الملحة مثل الأمن، والتنمية، ودعم البنية التحتية وقضايا المناخ.
ووفق الباحث، فإن «هذه المرحلة تأتي كفرصة جديدة، قد تستفيد منها أفريقيا لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة».
ومستدركا:«لكن السؤال الأساسي يكمن في مدى التزام ترامب بتحقيق تغير حقيقي في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، لا سيما أنه في ولايته السابقة لم يكن لأفريقيا أولوية كبرى في أجندته».
ولفت إلى أنه «حتى في مرحلة الانتخابات، لم يلتفت كثيرا هو ومنافسته للحديث عن قضايا أفريقيا، ولم تذكر كلمة أفريقيا كثيرا لدى كلاهما».
شراكات استراتيجية
بحسب الخبير المصري «فقد ظهرت الإدارة الحالية بمستوى معين من الدبلوماسية والاهتمام الظاهري بشؤون أفريقيا، وبدا أن دولة عظمى لا تكترث كثيرا بشعوب القارة».
وأشار إلى أن «بايدن لم يف بوعده البسيط بزيارة القارة، كما لم تحترم أمريكا ولم تف أبدا بما تعهدت به حتى الآن تجاهها»، مشيرا إلى أن اهتمام أمريكا بأفريقيا يظهر كثيرا في مواقف وظروف معينة.
«لكن نتائج هذا الاهتمام»، يقول، «لم تكن بالشكل الذي يواكب تطلعات القارة، فقد ظلت الملفات الاقتصادية والاستراتيجية مثل دعم التحول الرقمي، والشراكة في البنية التحتية، وإيجاد حلول للنزاعات الداخلية في أفريقيا، قضايا دون تقدم ملموس، بل تراجعت في بعض الأحيان».
ومن جانب آخر، يعتقد الباحث أن «بعض القادة الأفارقة قد يرون في فوز ترامب فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الأمريكية الأفريقية بعيدا عن النهج التقليدي، وربما من خلال التركيز على سياسات اقتصادية واضحة ومباشرة، ودعم القطاع الخاص بشكل أقوى في أفريقيا».
ويوضح أن البعض يعول على أن ولاية ترامب الثانية قد تختلف كثيرا عن ولاية ترامب الأولى، وأنه يمتلك من الخبرات الكثير الآن، كما أنه يعلم أنها المرة الأخيرة له، ورهن نجاح ترامب في أفريقيا بمدى استعداده لإدراك أن القارة تحتاج إلى شراكات استراتيجية حقيقية.
تراجع كبير
أما الدكتور محمد تورشين، الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، فيرى أنه لن يكون هناك تغيير في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا.
وقال تورشين إن «مساعي وجهود بايدن كانت كبيرة جدا، ولا نستطيع أن نقول إن ترامب هو الممثل بشكل أو بآخر للتوجهات الخارجية للجمهوريين».
وأضاف أن «ترامب هو بمثابة تيار داخل الحزب الجمهوري يؤمن بنظرية أمريكا أولا والانعزالية في القضايا الخارجية، ودائما مايضع الأولويات القصوى للقضايا الداخلية».
واعتبر أن التوجهات الخارجية في عهد ترامب مرتبطة بشكل وثيق بالانعكاسات على الداخل، معربا عن اعتقاده أنه سيكون هنالك تراجع كبير للدور الأمريكي في أفريقيا، مما يسهم في تعزيز نفوذ القوى الأخرى.
وبالنسبة للخبير، فإن ذلك سيجعل أفريقيا في حالة من الاستقرار النسبي، باعتبار أن تدخل أمريكا وانخراطها في التنافس والتنازع الدولي على أفريقيا يساهم بشكل أو بآخر في زعزعة الاستقرار بالقارة.
وختم بالقول: «على المدى الاستراتيجي، سيحاول ترامب الحفاظ على نفوذ أمريكا ولاسيما في منطقة القرن الأفريقي».
صحوة؟
في المقابل، أوضح عبد الله إمباتي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الساحل الأفريقي، أن أهم القضايا في أفريقيا هي موضوع الأمن في منطقة الساحل وعدم الاستقرار في السودان وليبيا والتدخل الروسي في القارة.
وقال إمباتي إن «الإدراة الأمريكية الحالية لم تتعامل مع الملف الأفريقي كما يجب، وتنازلت عن مصالح الأمريكيين بدون أي مقابل للمتدخل الجديد روسيا».
وأشار إلى أنه «من الخلفية التي جاء منها ترامب ستأتي إجراءات جديدة وسياسات جديدة للتعامل مع هذه الملفات».
ورجح أن تعود أمريكا إلى «القواعد العسكرية في النيجر، وربما يكون هناك تدخل أكثر في ليبيا، أو تدخل لصالح إنهاء الحرب في السودان»، متوقعا -إجمالا- أن تعود من جديد هيمنة المعسكر الغربي على أفريقيا وعلى رأسهم الأمريكيون.