سياسة

ميلادينوف وحل الأزمة الليبية.. مرتكزات وفرص


بعكس سابقيه أرى أن أمام الديبلوماسي البلغاري نيكولاي ميلادينوف المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا فرصة لإحداث تحول نوعي في الأزمة الليبية.. وهو تحول يعول عليه في نقل الصراع الليبي وتفاعلاته الدولية من خانة التعاطي معه وإدارته إلى خانة التغيير.

فالمبعوث الجديد يأتي في ظل وجود ثلاث مرتكزات تساعده على البدء في مهمته في ليبيا وأمامه تشخيص جاهز للأزمة الليبية وتسمية للمسبب الرئيسي فيها وهو تركيا وقطر وتنظيم الإخوان الإرهابي علاوة على آليات دولية شبه جاهزة لكن تحتاج إلى إرادة لتفعيلها . 

وهذه الرؤية رغم اعتمادها على قدر من التفاؤل بشخص المبعوث الأممي الجديد إلا أنها تقوم أساسا على قراءة سريعة للمعطيات الحالية والمرتكزات المتوفرة لميلادينوف مع استلام مهامه بعد يوم 3 يناير 2021 وهو موعد انتهاء مهمة ستيفاني ويليامز التي شغلت المنصب بالإنابة لمدة تسعة أشهر بدأت عقب استقالة المبعوث الأممي السابق غسان سلامة في مارس 2020 والذي وضع خارطة طريق للحل في ليبيا تضمنت مسارات اقتصادية وعسكرية وسياسية بعد توصل مؤتمر برلين في يناير 2020 إلى تشخيص للأزمة و اشارة للمسبب مع وضع كوابح لهذا المسبب ولم تسمح الظروف لسلامة الا بعقد اجتماعين في فبراير 2020 بمدينة جنيف السويسرية وقبيل الاجتماع الثالث في مارس قدم غسان سلامة استقالته .
ومن بعده حاولت المبعوثة بالإنابة استكمال الخارطة الثلاثية التى وضعها سلامة لكن في إطار الاستمرار في بحث الإشكاليات الليبية وتشخيصها مع تعثر جهود وقف النزيف بمنع المستبب في الأزمة وعدم تفعيل الآليات.

وجاءت الجهود السابقة بمعطيات تعلن تعثر في المسار السياسي وعدم وصوله إلى تشكيل سلطات تنفيذية مؤقتة تجهز المناخ والساحة الليبية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية 2021 والاستعاضة عن هذه السلطة بلجنة ليبية مكونة من 17 عضوا اختارتها البعثة الأممية للإعداد للاستحقاقات القادمة.
وفي المقابل أحرز المسار الاقتصادي والعسكري تقدما على الرغم من أنه ليس بالقدر الكافي إلا أنه تقدم إيجابي يحتاج الى دعم أكبر خاصة مع استمرار مسببات الأزمة وهو التدخل العسكري التركي ومعه التنظيمات الارهابية.
ويأتي المبعوث الجديد نيكولاي ميلادينوف وأمامه تشخيص كافي ورد في مخرجات مؤتمر برلين وإعلان ومبادرة القاهرة وتفاهمات أبو ظبي.

التشخيص

وجاء في البند الرابع من مخرجات برلين التشخيص متضمنا وصفا لما يحدث في ليبيا من انعدام الاستقرار في البلاد، والتدخلات الخارجية، والانقسامات المؤسسية، وانتشار كميات كبيرة من السلاح دون رقابة وخارج مؤسستي الجيش والشرطة واستمرار الاقتصاد القائم على السلب والنهب، يمثل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين، حيث يوفر كل ذلك تربة خصبة للمهربين، والجماعات المسلحة، والمنظمات الإرهابية كذلك سهل حدوث موجة مسببة لعدم الاستقرار من الهجرة غير الشرعية في المنطقة، وتدهورًا كبيرًا للوضع الإنساني.

المسببات

وتأسيسا على التشخيص الدولي في برلين فإن المسبب الرئيسي للأزمة هي حالة الانفلات التي سمحت للتنظيمات الارهابية مثل القاعدة وداعش وداعميها في أنقرة والدوحة بالتمدد في الأراضي الليبية، وتنفيذ عمليات داخل البلاد وفي دول الجوار.
و جاء في التفاهمات التي رعتها العاصمة الإماراتية أبو ظبي في فبراير 2019 أن المسبب الرئيسي للأزمات في ليبيا يكمن في طول المرحلة الانتقالية وحالة السيولة السياسية التي سمحت بسيطرة الميليشيات على القرارغرب ليبيا بما يستدعي اصلاحات سياسية عاجلة في المجلس الرئاسي و ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء إنتخابات خلال 6 أشهر بعد قيام المجلس الرئاسي بعمل الترتيبات الأمنية اللازمة لذلك غرب ليبيا وهو الأمر الذي فشل فايز السراج في تطبيقه في مواجهة الكيانات الإرهابية المسلحة المسيطرة على المال والقرار السياسي غرب ليبيا ما استدعى تحرك الجيش الوطني الليبي الى العاصمة طرابلس في محاولة لتطهيرها وتحرير قرارها لكن جاء رد المجلس الرئاسي بالتوجه نحو تركيا التي انتقلت ومعها تنظيم الاخوان الارهابي من تحريك وإدارة حكومة السراج من الخلف الى النزول العسكري بشكل مباشر على الأراضي الليبية .

الحلول والآليات

وعن المبادرات السابقة والمسارات الدولية صدرعن مجلس الأمن القرار 2510 الذي أعطى الصفة الرسمية الدولية لمؤتمر برلين وما سبقه من تفاهمات لكن بدون تركيز على الآلية الدولية التي بموجبها يصبح القرار نافذا وملزما للجميع وقبله القرار رقم 2368، والقرارات الأخرى ذات الصلة المتعلقة بتنظيمي داعش والقاعدة والأفراد المصنفين إرهابيين، والجماعات والكيانات المصنفة إرهابية، خاصة البنود المتعلقة بحظر السفر، والتجميد الفوري للأموال وغيرها من الأصول المالية، أو الموارد الاقتصادية للأفراد المصنفين إرهابيين، والكيانات المصنفة إرهابية.
ومع عدم فاعلية القرارات الدولية بعدم وجود آلية ناجعة استمر التحدي والالتفاف التركي عليها بما فاقم من حجم الأزمة.
وجاءت مبادرة إعلان القاهرة في يونيو 2020 بشقيها السياسي والعسكري بعد الظهورالفج والمباشر للدور العسكري التركي متضمنا تأكيدا على ما خرج عن برلين وتفاهمات أبو ظبي وما سبقهما من مبادرات متضمنة التشخيص السابق للأزمة وتذكير القوى الدولية بالمتسبب الرئيسي في أزمات ليبيا واستمراره في خلق أزمات أخرى كما تضمنت مبادرة القاهرة آليات الحل الشامل وذلك بإجراء إصلاحات اقتصادية تتضمن عدالة في توزيع الثروات منعا لتسربها الى أيدي الارهابيين وعسكرية في تفكيك الميليشيات ونزع سلاحها ومساعدة المؤسسات الرسمية الشرعية في القيام بدورها دون تدخلات خارجية وأخيرا تضمن اعلان القاهرة إصلاحات سياسية مؤسسة على مبادرات ليبية ليبية تطالب بإصلاحات في الهياكل التنفيذية.

وأظن أن المبعوث الجديد ستكون مهمته الرئيسية هي اختيار نقطة البداية للحل الشامل في ليبيا بدعم القرارات الاقتصادية التي تمثلت في توحيد المصرف المركزي الليبي بما يمنع انفراد شخص بالقرار فيه مع توحيد سعر الصرف للدولار وهم ما يقطع على قيادات الارهاب الاستفادة من فروق أسعار بيع العملة في السوق السوداء والتي تصل إلى 6 أضعاف السعر الرسمي وذلك كمرحلة أولى ثم القيام بتفعيل القرارات الدولية على تركيا والتي لم تلتزم بأي قرار يمنع ضخ السلاح والمرتزقة إلى ليبيا وهو ما يعطل كليا كافة المسارات الأخرى .

سكاي نيوز عربية

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى