سوريا: الشعب يأمل محاسبة مرتكبي الهجمات الكيماوية عبر محكمة دولية


بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على الهجمات بالأسلحة الكيميائية التي أدت إلى مقتل وإصابة الآلاف خلال الحرب في سوريا كثير منهم من الأطفال، يأمل الناجون وذوي الضحايا في محاسبة الجناة وعدم بقائهم بمنأى عن العقاب.

وتسعى مبادرة أُطلقت الخميس في لاهاي لإنشاء محكمة جديدة لمثل هذه الفظائع، إلى المساهمة في الوصول إلى العدالة.

وعملت حوالي عشر مجموعات حقوقية سورية وخبراء قانونيون دوليون وآخرون في هدوء على مدى عامين على وضع الأساس لمحكمة جديدة قائمة على المعاهدات يمكنها محاكمة من يتهمون باستخدام للمواد السامة المحظورة بجميع أنحاء العالم.

وفي مارس/آذار 2021 أعلنت مجموعة من الناجين والمنظمات غير الحكومية ومن بينها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومبادرة العدالة لمؤسسة المجتمع المفتوح، والأرشيف السوري، عن مساعيها لفتح تحقيق جنائي في هجمات أغسطس/ آب 2013 بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما وعلى الغوطة الشرقية.
ولتحقيق هذا الهدف، قدم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير شكوى جنائية تشتمل على معلومات وقرائن (أثمر عنها التعاون بين منظمات المجتمع المدني) للقضاء في فرنسا.

وقالت صفاء كامل، 35 عاما، وهي معلمة من حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق “المحكمة بالنسبة للسوريين هي أمل” متذكرة الهجوم بغاز السارين الذي وقع في 21 أغسطس آب عام 2013 بمنطقة الغوطة والذي أدى لمقتل أكثر من 1000 شخص كثير منهم كانوا نائمين.

وأضافت “الأعراض التي تعرضنا لها الغثيان وإعياء واصفرار الوجه، وحالات إغماء.. حتى من الصغار. كان خوف كتير كبير” وتابعت قائلة “عندما فتشنا عن الشهداء الذين فقدناهم أثناء هذا القصف الكيماوي كان عدد الضحايا كتير كبير. لا تمحى من ذاكرتنا كيف كانت مصفوفة”.

وبالإضافة إلى العدد الكبير من الشهادات التي يرويها العديد من الضحايا الأصليين، اشتملت الشكوى الجنائية التي تتخذ شكل طلب مدني على تحليل شامل للتسلسل القيادي للجيش السوري ومئات من الأدلة الوثائقية، التي تتضمن صورًا ومقاطع فيديو.​ وتهدف الشكوى إلى دعم الضحايا في كفاحهم لمنع إفلات الجناة من العقاب، أملاً في أن يثمر التحقيق الفرنسي في هذه الجرائم عن مساءلة من أمر بشن هذه الهجمات ومن نفذوها.

وأظهرت وثائق اطلعت عليها رويترز أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.

وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو أحد الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.

وأضاف العلبي “بينما يطالب بها السوريون بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، إذا رغبت الدول في ذلك فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سوريا بكثير”.

ودُشن مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيماوية في 30 نوفمبر تشرين الثاني، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية بجميع أنحاء العالم. وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.

وأفاد المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، دابو أكاندي، إنه “عندما تقول تلك الأصوات: نحن بحاجة إلى نوع ما من العدالة، أعتقد أن ذلك سيكون قوياً”، مضيفاً أن “هناك محاكم دولية لجرائم الحرب، من البلقان إلى رواندا ولبنان، لكن لم يركز أي منها على جريمة نشر الأسلحة الكيميائية على وجه الخصوص”.

وأشار المحامي أكاندي إلى أن المحكمة الجديدة “ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون في الأساس مخصصة للقضايا التي تكون فيها المحكمة الجنائية الدولية غير قادرة على ممارسة اختصاصها القضائي”، مؤكداً أن إنشاء المحكمة سيكون “مبتكراً بشكل خاص في هذا الشأن”.

بدوره أعرب الطبيب محمد سليم نمور، الذي ساعد في علاج مئات المرضى بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية على الغوطة في العام 2013، إن “صور الاختناق والموت ما تزال تجعله يبكي”، ويتذكر أحد الأطفال الناجين وهو ملقى بين الجثث ويسأله “هل ما زلت على قيد الحياة؟”.

وأضاف نمور أنه “نشعر بالمرارة لأن المساءلة تأتي متأخرة عشر سنوات، نأمل ألا نضطر إلى الانتظار عشر سنوات أخرى”.

من جهتها، قالت القاضية الفرنسية المكلفة بالتحقيق بجرائم الحرب في سوريا ورئيسة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، كاثرين مارشي أوهيل، إن “جزءاً صغيراً فقط من نحو 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرتها دول معظمها أوروبية يتعلق بهجمات كيميائية”.

وذكرت أنه “لا توجد فرص كافية لتحقيق العدالة في الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا”، مؤكدة استعداد الآلية الدولية المحايدة والمستقلة بشأن سوريا للعمل مع محكمة جديدة.

وأشارت القاضية الأممية إلى أن “أي هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في بناء القضايا حول حوادث الأسلحة الكيميائية قد تكون في وضع جيد للتعامل مع هذا النوع من الحالات”.

Exit mobile version