سياسة

دحر الغزو التركي أولوية قومية


أحدثت الانتصارات العسكرية والتقدم الميداني الذي حققه الجيش الوطني الليبي بمليشيات السراج غير الشرعية، صراعات دامية انتهت بمقتل قيادات وهروب بعضهم وتصفية خصوم في ظروف غامضة، والانقسامات مردها اقتسام النفوذ والأموال بين القوى العابثة بأمن البلاد عدا عن وقوع انهيارات في صفوف الفصائل المتطرفة.

واتسعت رقعة الانشقاقات الدبلوماسية في السفارات والبعثات الخارجية في عدة عواصم عربية وأفريقية وأوروبية عن سلطات حكومة السراج، وذلك لارتهان المجلس الرئاسي إلى قوة تهدف لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، وشرعنة الغزو الأجنبي التركي.

انشقاقات الدبلوماسيين الليبيين توحي بحالة الاستياء العامة، جرّاء التدخل التركي وتبعية حكومة الوفاق لمشروع أردوغان التوسعي وبيعها ليبيا إلى الاستعمار العثماني، والوطن الليبي ليس سلعة يُباع ويُشترى، والسماح بإدخال المرتزقة وانتشار القوات التركية في غرب ليبيا يشكل خيانة عظمى يسجلها التاريخ.

وزارة خارجية الحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان، التي تتخذ من شرق البلاد مقراً لها دعت في تعميم لها السفارات والبعثات والقنصليات الليبية بالخارج كافة، إلى التوقف عن التعامل مع حكومة الوفاق غير الدستورية وفق قرارات البرلمان المنتخب، والانضمام إلى شرعية مجلس النواب، والأيام القادمة ستشهد عدداً مهماً من الانشقاقات الدبلوماسية، وبخاصة السفراء العاملون في عواصم عديدة من دول العالم، لرفضهم الاستمرار في العمل تحت لواء حكومة تابعة للنظام التركي.

ولا يزال أردوغان الداعم الأساسي لحكومة السراج غير الدستورية، لإنقاذها من الانهيارات التي منيت بها، بإرساله مستشارين عسكريين ومسلحين مرتزقة، والعديد من صنوف أنواع الأسلحة والعتاد.

وأظهرت الساحة الليبية بشكل جلي الانشقاقات في التحالف العسكري الداعم لحكومة الوفاق، وتحولت مليشيا النواصي الإرهابية وغيرها لكيانات تجارية واقتصادية تستفيد من الفوضى الأمنية في تجميع الثروة، وتخشى على مراكزها السياسة غربي ليبيا، ويمكن أن تدخل في صدام مباشر مع حكومة السراج في أية لحظة.

ومنذ بداية معركة طرابلس، استعانت حكومة الوفاق بعناصر إرهابية تتبع مجالس شورى ثوار بنغازي، وثوار درنة المصنفين كإرهابيين على قوائم مجلس الأمن ولم تكتف حكومة السراج بذلك، لتطلب المساعدات علانية من حكومتي الدوحة وأنقرة، مما جعل البلاد عرضة للفوضى والانحلال والاختلال تحت تأثيرات الأهواء الجائرة والشهوات الباغية.

وأضحى الجزء الغربي لليبيا تحت الهيمنة والوصاية التركية، وهذا الغزو هو تهديد لوحدة ليبيا وأمنها وسيادتها الوطنية ومستقبلها، ولأي تسوية أو عملية سلمية علاوة على أنه تهديد للأمن القومي العربي.

وطيلة العشر سنوات الأخيرة كان المغرب العربي بمنأى عن الصراع الدائر في المنطقة لكن اليوم، يتطلب من دول المنطقة العربية أن تتصدى لهذا الغزو العدواني وهي بالأساس معنية بما ستؤول إليه الأوضاع جرّاء هذا التدخل التركي.

إن المذكرات التي وقعتها حكومة الوفاق وتركيا حول ترسيم الحدود البحرية، تضع عقبات إضافية وتعرقل جهود مجلس الأمن لحل الأزمة، وليس لديها السلطة القانونية لتوقيع المذكرات والاتفاقيات بالنيابة عن الشعب الليبي وتعتبر باطلة.

وبلغت حدة التوترات وضعاً لا يطاق مع إصرار أنقرة على المضي في تنفيذها، لكن اعتراضات الهيئات الدولية والإقليمية عدّتها نوعاً من العبث وجهلاً بالجغرافيا التي تتجاهل الأوضاع الجغرافية والبحرية في البحر المتوسط.

والمهمة المنوطة باتفاقية –إيرني- الخاصة بمراقبة حظر الأسلحة التي فرضها مجلس الأمن الدولي على ليبيا، يتمحور دورها في رصدها للصادرات النفطية غير القانونية من ليبيا، وفي مكافحة تهريب البشر وتدريب البحرية الليبية، وخاصة خفر السواحل، ومن المقرر أن يكون لديها وحدات في الجو وفي البحر، وستكون قادرة على تفتيش السفن المشتبه بامتلاكها أسلحة في البحر، كما ستقدم صور الأقمار الصناعية المساعدة بهذا الخصوص، ومن شأنها منع تسليم الأسلحة للفصائل المتطرفة.

الجيش الوطني الليبي يتحرك بكل نخوة وشجاعة للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة عبر احترام سيادة الشعب الليبي وخياراته المصيرية ويرفض حل مجلس النواب، فيما يشكل منع تهريب السلاح وتسلل الجماعات الإرهابية ومواجهة موجة صعود تيارات الإسلام السياسي التي استغلت الفترات الانتقالية للاستبداد بالحكم وقلب موازين الجيوسياسية العربية في اتجاه يصب في صالح قوى غير عربية، فضلاً عن كون الجماعات الإسلامية المتطرفة تقوم بأنشطة تخريبية وتدميرية في الساحات الليبية والصومالية والسورية والعراقية وفي بقاع شتى من القارة السمراء.

وللوقوف بوجه التمدد الأردوغاني، فإن المنظمات العربية الموجودة في أكثر من سبعين دولة، ومن بينها منظمة كوادر القيادات الشابة، ومنظمة تنسيق الشباب العربي في أوروبا ومقرها ألمانيا، قررت إرسال بيانات إلى جميع حكومات الدول التي تقع تلك المنظمات على أراضيها لفضح الانتهاكات التركية، وتقديم الشكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لعدم امتثال النظام التركي للاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

ذلك ما تتمناه القوى الوطنية العربية والهيئات العالمية المحبة للسلام لوضع حد لغطرسة وعدوانية مرتزقة أردوغان ولإنهاء دور المليشيات المستبدة، والمستمرة بتصعيد أوار الفتنة وتعقيد الأزمة الليبية، وبذلك ينبغي فرض عقوبات دولية على هؤلاء الذين ينشرون الإرهاب والفوضى في الشمال الأفريقي، وعلى امتداد الساحة العربية.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى