دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لاولور اليوم الثلاثاء الحكومة الجزائرية إلى الإفراج عن الناشطين الحقوقيين وعدم استهدافهم بسبب نشاطهم مع تعديل القوانين التي تجرّم عملهم، في ختام زيارة إلى البلد، في أحدث مؤشر على أن “الجزائر الجديدة” التي يطنب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الحديث عنها في أغلب خطبه بقيت مجرد شعار، في وقت تجمع فيه تقارير وشهادات نشطاء على أن البلد تحول إلى زنزانة لأي صوت يعارض سياسات الرئيس.
وأوصت الخبيرة الأممية خلال مؤتمر صحافي السلطات الجزائرية بـ”الإفراج عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المسجونين بسبب ممارستهم حرية التعبير والرأي وتكوين الجمعيات“.
وبحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، لا يزال العشرات خلف القضبان في الجزائر على خلفية الحراك المطالب بالديموقراطية أو الدفاع عن الحريات الفردية. وذكرت المقررة أن “معظم الذين قابلتهم إما سجنوا مرة واحدة على الأقل في حياتهم أو يواجهون اتهامات جنائية”.
كما دعت الحكومة إلى “تعديل المواد في قانون العقوبات التي تنص على عقوبات جنائية لكل من يشتم أو يهين الأفراد او الهيئات او المؤسسات” لأنه “يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وحرية التعبير”.
ورغم ترحيبها بجهود الحكومة في مجال حقوق الإنسان إلّا أنها أشارت إلى أن “النشطاء الذين اختاروا العمل خارج إطار المجتمع المدني الذي صممته الحكومة يواجهون صعوبات خطيرة مما يؤثر أيضا على أسرهم”.
وأبدت الخبيرة الأممية أسفها قائلة إن “بعض المدافعين عن حقوق الإنسان رفضوا أو ألغو مقابلاتهم في اللحظة الأخيرة خوفا من المضايقات”. وذكرت حالة الناشط أحمد منصري الذي اعتقل بعد لقائه المقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في سبتمبر/أيلول.
كما أشارت إلى حالات “تقييد حرية تنقل المدافعين عن حقوق الإنسان” داخل الجزائر ومنعهم من السفر إلى الخارج، معربة عن أسفها لـ”حرمان” الناشطين الحقوقيين من إمكانية الوصول إلى موارد مالية من الخارج تحت طائلة السجن، ما “يفاقم عزلتهم”.
ورأت أن “القوانين السارية حاليا تستخدم للحد من عمل المدافعين عن حقوق الإنسان ومعاقبته” لافتة بصورة خاصة إلى استخدام بند من القانون الجنائي على ارتباط بالمسائل الإرهابية بهدف “قمع” الناشطين.
وقالت إن “تحديد الإرهاب في هذا البند مبهم وواسع إلى حد أنه يترك للأجهزة الأمنية هامش تصرف كبيرا لتوقيف المدافعين عن حقوق الإنسان“.
وتطرقت إلى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي حلتها السلطات في مطلع العام، فأبدت أملها في أن تتمكن من “استعادة مكانتها بين منظمات المجتمع المدني” كما رأت أن حل منظمة غير حكومية أخرى بارزة هي “تجمع عمل الشباب” يشكل “عقوبة بالغة الشدة”.
وبدأت لاولور زيارتها للجزائر في 26 نوفمبر/تشرين بدعوة من الحكومة والتقت خلالها حوالي خمسين ناشطا حقوقيا وصحافيين إضافة إلى مسؤولين منهم وزير العدل ومنظمات المجتمع المدني في العاصمة الجزائرية ووهران وتيزي وزو، على أن تقدم تقريرها لمجلس حقوق الإنسان في مارس/آذر 2025.
ويقبع العشرات من المعارضين والإعلاميين ونشطاء الحراك الجزائري في السجون دون اتهامات واضحة، فيما يواجه بعضهم عقوبات سجنية قاسية ومن بينهم إحسان القاضي مدير إذاعة ‘راديو ام’ وموقع ‘مغرب ايمارجون’ الإخباري الذي حكم عليه بالسجن 7 سنوات بعد أن اتهم بتلقي تمويل من جهة أجنبية، فيما قضت محكمة جزائرية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول بثلاث سنوات بحق مصطفى بن جامع بعد اتهامه بمساعدة الناشطة أميرة بوراوي على الهروب من إلى فرنسا وهو ما ينفيه.
وأطلق تبون في عديد المناسبات وعودا بتعزيز الحريات وبناء “جزائر جديدة” خالية من الظلم والفساد متعهدا بحماية حقوق الإنسان، لكن الواقع يثبت عكس ذلك، بينما يذهب العديد من الجزائريين إلى القول إن وضع الحريات في ظل النظام السابق كان أفضل بكثير.
ووجهت مجموعة من الكتاب والمثقفين من عديد الدول رسالة مفتوحة إلى تبون في يونيو/حزيران الماضي طالبوه من خلالها بإطلاق سراح الإعلاميين المسجونين، محذرين من “تحول الجزائر إلى زنزانة كبيرة تلتهم الصحافيين الناقدين وكل الأصوات غير الموالية للسلطة”.