الإمارات والصين: شراكة استراتيجية بعد 40 عامًا من العلاقات الدبلوماسية
تحتفي الإمارات والصين خلال العام الجاري بمرور 40 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
احتفالية تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية حقبة ذهبية ومتميزة وتطوراً مستمراً في إطار توجيهات القيادة الرشيدة في البلدين.
ويحل الاحتفال بمناسبة مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في وقت تمضي فيه العلاقات الثنائية إلى آفاق واعدة، ويتعاون البلدان لتحقيق الازدهار والرخاء لمواطنيهما، ومواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشرية.
4 عقود من الشراكة أسهمت في إرساء نموذج فريد يظهر قوة التعاون بين الأمم ودوره في تحقيق الأهداف المشتركة.
تمت ترجمة هذا التعاون على الصعيد الرسمي بتوقيع أكثر من 130 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة.
أيضا ظهرت تجليات هذه العلاقات المزدهرة بين البلدين على الصعيد الشعبي، في إقبال أعداد متزايدة من الشباب على تعلم اللغة الصينية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والإقبال على الفرص الواعدة من طلاب الإمارات لمواصلة تعليمهم العالي في الصين.
وبالتزامن مع مرور 40 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات زيارة دولة إلى الصين يومي 30 و31 مايو/أيار الماضي، شهدت مباحثات مهمة مع الرئيس شي جين بينغ.
وخلال اللقاء، أشار الجانبان إلى أن عام 2024 يصادف الذكرى الـ 40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية الثنائية والتي شهدت منذ إنشائها في عام 1984 إنجازات كبيرة.
واستذكر الطرفان الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس يانغ شانغ كون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1989 والزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مايو/أيار 1990، واللتين وضعتا حجر الأساس لشراكة ثنائية مستدامة قائمة على الثقة المتبادلة والتعاون المشترك والرغبة في تحقيق المزيد من الإنجازات في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وأشاد الجانبان بالروابط التاريخية التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية والأهداف المشتركة التي يتقاسمها البلدان، وأهمها تحقيق النمو والازدهار لشعبيهما الصديقين، وتعزيز دعائم التنمية المستدامة وترسيخ التسامح والانفتاح والحوار ومد جسور التواصل، والعمل على ترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، والتمسك بمبادئ ثابتة تتمثل بالاحترام المتبادل والتعاون والمساواة والمنفعة المشتركة وتبادل وجهات النظر خاصة في ظل التطورات والأحداث الدولية الحالية.
وتوجت الزيارة بتوقيع (19) اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين شملت عدداً من القطاعات الرئيسية كالسياحة والصناعة والتكنولوجيا والإعلام ومبادرات الحزام والطريق الصينية، وهو ما سيسهم بدوره في خلق المزيد من الفرص التي تصب في صالح تعزيز العلاقات الثنائية الإماراتية – الصينية.
وتعد الزيارة محطة بارزة في مسار تعزيز التنمية والازدهار المستدام لكلا البلدين الصديقين والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية ومسارات التعاون والعمل المشترك بينهما في المجالات الاقتصادية، والتنموية، والثقافية، وغيرها.
وترتبط الدولتان بعلاقات وثيقة على مختلف الأصعدة يجسدها الحوار القائم بين الجانبين بشكل دائم، واللقاءات على أعلى المستويات بين البلدين، والاجتماعات الوزارية والحكومية المستمرة بصورة تبرهن مدى الاهتمام الكبير الذي يوليانه لتطوير العلاقات الثنائية فيما بينهما.
4 عقود من العلاقات الدبلوماسية تختزل مسيرة العلاقات بين البلدين في محطات تاريخية مهمة.
وبهذه المناسبة أبرز المحطات التاريخية على طريق تطور العلاقات بين البلدين، وبعض الأرقام التي تجسد قوة الروابط والحرص المتنامي على تطويرها بتوجيهات القيادتين:
عمق تاريخي
تضرب علاقات الصداقة بين دولة الإمارات والصين جذورها في أعماق التاريخ، إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين منذ القرن السابع ميلادي.
واتخذت العلاقات بين البلدين بعدا جديدا في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1971 أي بعد يوم واحد من قيام دولة الإمارات، إذ بعث المؤسس المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان برقية إلى شوإن لاي رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام دولة الإمارات.
ورد شو ان لاي ببرقية تهنئة إلى الشيخ سلطان بن زايد يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات.
تأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في نوفمبر/تشرين الثاني 1984، وافتتحت سفارة الصين بأبوظبي في أبريل/نيسان 1985، وتم إنشاء القنصلية العامة بدبي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988.
افتتحت سفارة الإمارات ببكين في 19 مارس/آذار 1987، وأنشأت 3 قنصليات عامة في كل من هونغ كونغ في أبريل/نيسان 2000، وبشنغهاي في يوليو/تموز 2009، وبقوانجو في يونيو/حزيران 2016.
زيارات القيادة
شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية بعد زيارة أجراها الرئيس الصيني آنذاك “يانغ شانغ كون” إلى دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول عام 1989.
ثم الزيارة التاريخية للمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للصين في 1990، وقد توجت تلك الزيارة بتوقيع العديد من الاتفاقيات.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة للصين نهاية مايو/أيار الماضي هي السادسة له للصين، حيث سبق أن زارها 5 مرات، في محطات تاريخية تم خلالها وضع أسس راسخة لعلاقات مستدامة بين البلدين، حيث زارها في أغسطس/آب 2009 ومارس/آذار 2012، وديسمبر/كانون الأول 2015، ويوليو/تموز 2019، وفبراير/شباط 2022.
كما أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة إلى أبوظبي في يوليو/تموز 2018، وكانت تلك أول زيارة رسمية لرئيس صيني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نحو 30 عاماً، أسست لمرحلة فارقة وجديدة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
تطور الشراكة الاستراتيجية
وقّع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ورئيس مجلس الدولة الصيني، ون جياو باو، في يناير/كانون الثاني 2012 بدبي، مذكرة بيان مشترك بين الإمارات وجمهورية الصين الشعبية حول إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
في يوليو/تموز 2018، اتفق البلدان، خلال زيارة الرئيس الصيني إلى أبوظبي، على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى وتأسيس علاقات “شراكة استراتيجية شاملة”، تساهم في تعميق وتركيز التعاون في المجالات كافة وتعزيز التنمية والازدهار المشترك بما يتفق والمصلحة المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
العلاقات الثقافية.. سفراء التواصل
تعزيزا للعلاقات المتنامية بين البلدين، تم إطلاق برنامج “تدريس اللغة الصينية عام 2019 في 200 مدرسة إماراتية”، ويدرس حاليا 71 ألف طالب وطالبة في 171 مدرسة بمختلف إمارات الدولة ضمن البرنامج الذي يستهدف تغطية 200 مدرسة.
وفي تصريحات سابقة، أشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ بحماس الطلاب الإماراتيين في تعلم اللغة الصينية، والتعرف على الثقافة الصينية، داعيا إياهم ليكونوا سفراء للتواصل بين البلدين، وجيلا جديدا يسهم في ترسيخ علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين.
وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين أيضا على حجم مشاركة الصين في الفعاليات الثقافية بدولة الإمارات، والتي كان أحدثتها مشاركتها الكبيرة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بنسخته الـ33 والذي اختتم في 5 مايو/أيار الماضي.
وخلال المعرض، أطلق مركز أبوظبي للغة العربية بالتعاون مع المجموعة الصينية للإعلام الدولي، مركز التعاون العربي الصيني، الذي يجمع تحت مظلته ناشرين عربا وصينيين.
العلاقات الاقتصادية.. أرقام مميزة
تعد الصين أكبر شريك تجاري للإمارات لسنوات عديدة متتالية، حيث حافظت دولة الإمارات على مكانتها كأكبر سوق لصادرات الصين في الشرق الأوسط.
بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات مع الصين خلال عام 2023 نحو 296 مليار درهم، أي ما يعادل (81 مليار دولار) بنسبة نمو 4.2 % مقارنة بعام 2022، وبذلك حافظت الصين على موقع الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات في تجارتها غير النفطية في عام 2023 إذ استحوذت على ما نسبته 12 % من تلك التجارة.
تتربع الصين على المركز الأول من حيث واردات دولة الإمارات بنسبة 18%، كما تحتل الصين المرتبة الــ 11 في صادرات دولة الإمارات غير النفطية بنسبة مساهمة 2.4 % والمرتبة الـ 8 في إعادة التصدير بنسبة مساهمة 4 %، وفي حال استثناء النفط الخام من تجارة الصين مع الدول العربية خلال 2023 تكون الإمارات الشريك التجاري العربي الأول بنسبة مساهمة 30 %.
بلغ إجمالي التدفقات الاستثمارية الإماراتية إلى الصين نحو 11.9 مليار دولار أمريكي بين عامي 2003 و2023، شملت قطاعات عدة أبرزها الاتصالات، والطاقة المتجددة، والنقل والتخزين، والفنادق والسياحة، والمطاط، في حين بلغت التدفقات الاستثمارية الصينية إلى الإمارات 7.7 مليار دولار أمريكي خلال المدّة ذاتها.
يعد قطاع السياحة من أهم القطاعات الرئيسية في العلاقات الاقتصادية المشتركة، حيث وصل إجمالي عدد السياح الصينيين أكثر من مليون زائر في الأشهر الـ10 الأولى من عام 2023.
كما وصل عدد الصينيين المتواجدين في دولة الإمارات لنحو 350 ألفا، ويتم تنظيم أكثر من 210 رحلات طيران شهرياً بين البلدين عبر شركات الطيران الوطنية الإماراتية.
تعزيزا للتعاون الاقتصادي بين الجانبين، اتفقت حكومتا دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية خلال اجتماع الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية والتجارية والفنية المشتركة المنعقدة بأبوظبي في فبراير/شباط 2024، على تعزيز التعاون في عدد من القطاعات والمجالات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والتكنولوجيا وغيرها.
يُنتظر أن يتزايد التعاون الاقتصادي بين البلدين مع انضمام دولة الإمارات رسميا إلى مجموعة “بريكس” في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن صادقت الدول اﻟﻤؤسسة، بما فيها الصين، على طلبها بالانضمام إلى المجموعة.
الحزام والطريق.. شراكة مثالية
تعد دولة الإمارات، من خلال موقعها الاستراتيجي ودورها في حركة التجارة العالمية وقدراتها اللوجستية وبنيتها التحتية الحديثة بالإضافة إلى اقتصادها المتنوع القائم على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مساهما فاعلا في مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين عام 2013.
ودولة الإمارات تمتلك فرصاً استثمارية واعدة وبيئة تنافسية كبيرة في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية فضلاً عضويتها في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بدعم جهود النمو الاقتصادي العالمي.
تعد دولة الإمارات لاعباً رئيسياً في المسار البري لمبادرة “الحزام والطريق” الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، حيث تم تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في إطار المبادرة، مثل الحديقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية.
وضخت دولة الإمارات 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني- إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
وتشكل مبادرة الحزام والطريق جسرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين نحو 75% من سكان العالم وتهدف المبادرة إلى بناء شبكة تجارة وبنية تحتية تربط آسيا في أوروبا وأفريقيا سعياً إلى تحقيق التنمية والازدهار على نحو مشترك.
وفي ظل هذه المزايا التنافسية لدولة الإمارات، فإن مبادرة الحزام والطريق ستساهم في تعزيز قوة ومكانة الدولة مركزا عالميا للتجارة السلعية والخدمات اللوجستية ما يرسخ مكانتها كنقطة اتصال استراتيجية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
مواجهة التحديات
تتعاون الصين مع دولة الإمارات في جهودها لمكافحة تغير المناخ، الذي يعد أبرز تهديد للبشرية في العصر الراهن.
وأطلقت رئاسة COP28، بالتعاون مع الصين بصفتها رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي COP15، “البيان المشترك لـ COP28 بشأن المناخ والطبيعة والإنسان”.
والبيان يضع إطاراً لمنهجية تحقق التكامل بين العمل المناخي وحماية الطبيعة استعداداً لكلٍ من مؤتمر الأطراف للمناخ COP30 ومؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي CBD COP16، لضمان تواصل العمل والاستمرارية عبر مؤتمرات الأطراف للتنوع الحيوي والمناخ.
نموذج ملهم
تعد الشراكة الإماراتية – الصينية نموذجاً ملهماً مميزا للشراكات بين الدول الصديقة، ليس لأنها تتسم بالشمول والتنوع ولا تقتصر على جانب بعينه وتتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية فحسب، وإنما لأن هناك إرادة سياسية قوية ترسخ هذه الشراكة، وتعمل على تطويرها بشكل مستمر.
وتؤمن الصين بالدور البناء الذي تقوم به دولة الإمارات في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ودعم الاستقرار والازدهار ونشر السلام والتسامح، وتقابله ثقة إماراتية بالدور الصيني الإيجابي في الشؤون العالمية.
ويجمع بين البلدين العديد من الأهداف المشتركة التي تتمثل في تحقيق التنمية المستدامة والنمو والازدهار والاستقرار لشعبيهما، وترسيخ العلاقات الثنائية القائمة على مبادئ وركائز أساسية مبنية على محاور عدة، أهمها السلم والتسامح والحوار والانفتاح على الثقافات المختلفة.
وأيضا على ترسيخ الأمن والاستقرار، ومد جسور التعاون والتواصل مع المجتمع الدولي والتمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون والتفاهم المشترك في ظل التطورات الحالية للأوضاع الدولية.
كما يؤكد البلدان على مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل القضايا بالطرق السلمية.