من أستراليا إلى أمريكا.. محاكم العالم تلاحق قطر
سيل من الدعاوى القضائية تطارد قطر في العديد من المحاكم حول العالم، تكشف الوجه الخبيث لنظام روع البشرية بإرهابه وجرائمه.
فظائع لم تفتح ملفات الدوحة أمام المحاكم فقط، وإنما لجأ الكثير من ضحاياها إلى الآليات الأممية والمنظمات الحقوقية.
لائحة طويلة من الاتهامات تتضمن شتى صنوف الجرائم من القتل والتهديد وتمويل الإرهاب، والعنصرية وتشويه السمعة وانتهاك الحقوق المدنية، وخرق العقود والتمييز في العمل، والاعتداء الجسدي والاغتصاب والتحرش الجنسي.
دماء أمريكيين
أحدث تلك الدعاوى القضائية تم رفعها، قبل يومين، أمام المحكمة الفيدرالية في بروكلين الأمريكية، وكشفت عنها صحيفة “واشنطن بوست”، وتواجه فيه الدوحة اتهامات بتمويل عمليات قُتل فيها أمريكيون في إسرائيل.
دعاوى جاءت بعد أسبوعين من كشف محامٍ أسترالي يدعى ولفغانغ بابيك أنه تم تكليفه للدفاع عن حقوق مسافرات أستراليات أجبرهن الأمن القطري في مطار الدوحة، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على النزول من طائراتهن وتعريتهن قسرا، وإجبارهن على الخضوع لعمليات تفتيش وفحص طبي مهين ومذل، بعد العثور على رضيعة حديثة الولادة بالمطار.
وقبل شهر، كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن الشرطة المحلية فتحت تحقيقات في قيام الدوحة بترهيب وتهديد شهود في قضية تتهم “بنك الدوحة” بتمويل جبهة النصرة الإرهابية بسوريا.
ومن أمريكا إلى أستراليا مرورا ببريطانيا، يواصل ضحايا قطر مطاردتها على جرائمها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
أكثر من 200 شكوى
بالولايات المتحدة وحدها، كشف خبير استراتيجي أمريكي أن محاكم البلاد تعج بـ215 دعوى قضائية مرفوعة من أفراد ومؤسسات ضد قطر وأميرها تميم بن حمد آل ثاني وأسرته وقناة “الجزيرة”.
وبحسب ما أكده محمد جهاد السمان، الخبير الاستراتيجي المعني بالشؤون الخليجية الأمريكيةـ في تصريحات سابقة “للعين الإخبارية”، فإن هذه الدعاوى القضائية متنوعة؛ حيث تواجه قطر فضائح قانونية في المحاكم الأمريكية منها الضغط غير القانوني وانتهاكات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، والتجسس على منظمات والإعلام وتهديد الأمن القومي.
وتشمل قائمة الدعاوى لقطر وآل ثاني تهماً بالفساد السياسي والتهرب الضريبي والقرصنة وانتهاك حقوق النشر والخداع، والابتزاز والغش والاحتيال والسرقات الكبرى والاختلاس وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإيواء مافيا الإخوان، والتشهير والسب والقذف والإضرار بالغير والتآمر وشن الحملات.
وتضم الاتهامات نفسها تشويه السمعة وانتهاك الحقوق المدنية وخرق العقود والتمييز في العمل والاعتداء الجسدي والاغتصاب والتحرش الجنسي.
ويحتفظ الخبير الأمريكي من أصول عربية برصد دقيق لكافة الدعاوى المرفوعة بمحاكم الولايات المتحدة ضد قطر والأسرة الحاكمة بها وقناة الجزيرة.
وقال السمان إن تميم بن حمد آل ثاني وأسرته يواجهون اتهامات أمام القضاء الأمريكي في 33 دعوى قضائية، بينما تواجه “الجزيرة” اتهامات في 40 قضية، ومرتزقتها 15 قضية.
وإضافة لتلك الدعاوى، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” تفاصيل دعويين مرفوعتين أمام المحكمة الفيدرالية في بروكلين (في يونيو/ حزيران الماضي، وديسمبر/ كانون أول الجاري) تتهم فيها قطر بتمويل عمليات قُتل فيها أمريكيون في إسرائيل.
وفي أوراق الشكاوى، تتهم عائلات الضحايا الحكومة القطرية وأعضاء في العائلة المالكة بقيادة “مؤامرة تمويل” نُقل بموجبها عشرات ملايين الدولارات لدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، واللتين تصنفهما واشنطن منظمتين إرهابيتين.
أما التفاصيل، فتشير إلى أن المدفوعات التي تمت تحت غطاء تبرعات خيرية قطرية تم تحويلها عبر الأنظمة المصرفية الأمريكية منذ 2014، من حسابات يديرها بنك قطر الوطني، واستخدمها مسؤولون وقيادات في حماس وأقارب لهم.
أموالٌ قطرية ساعدت في تنفيذ ضربات شملت عمليات طعن ودهس، وهجمات صاروخية، أسفرت عن مقتل مواطنين أمريكيين، وفقا للصحيفة.
وكشفت مذكرة الادعاء أن الدوحة وأفراد أسرتها الحاكمة استغلت بنكين تسيطر عليهما لتحويل الأموال إلى المنظمات الإرهابية تحت غطاء زائف للتبرعات الخيرية.
وحددت المذكرة ثلاث مؤسسات مدعى ضدها بالتورط في دعم وتمويل العمليات الإرهابية، وهي مؤسسة قطر الخيرية ومصرف الريان وبنك قطر الوطني.
وفي دعوى قضائية أخرى تم الكشف عن تفاصيلها في يونيو/حزيران الماضي، تم اتهام قطر بتوظيف فريق سابق من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومسؤولين سابقين في المخابرات العسكرية، للهجوم على ناشط سياسي أمريكي بارز، بعد أن أثار تساؤلات حول دعمها للإرهاب.
وتقدم الجمهوري، إليوت برودي، بتلك الدعوى مؤكدا أن الدوحة جندت مسؤولين سابقين في المخابرات الأمريكية، لتنفيذ عملية تجسس إلكترونية عام 2018 على خوادم بريده الإلكتروني الشخصي والتجاري، بعد أن اتهمها بتمويل الإرهاب، بحسب ما أفاد موقع “فري بيكون” المحلي.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدم مصور صحفي أمريكي، خُطف في سوريا نهاية 2012 من قبل جبهة النصرة الإرهابية، دعوى قضائية بالمحكمة الفيدرالية بفلوريدا ضد مصرف قطر الإسلامي، متهما إياه بتمويل خاطفيه.
بريطانيا.. قائمة جرائم
تزايد الدلائل على ارتباط قطر ومؤسساتها وبنوكها بالتنظيمات الإرهابية، جعل الدوحة فيما يبدو تفقد السيطرة على مجريات الأمور، وتنتهج الإرهاب طريقا لترهيب الساعين لمحاسبتها.
صحيفة “الجارديان” البريطانية كشفت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن فضيحة مدوية تورط فيها مسؤولون بالدوحة بقضية تمويل بنك قطري للإرهاب في سوريا.
وقالت الصحيفة إن الشرطة البريطانية فتحت تحقيقات في قيام الدوحة بترهيب وتهديد شهود في قضية تتهم “بنك الدوحة” بتمويل جبهة النصرة بسوريا.
وأشارت إلى أن قطر استعانت في القضية برجال مسلحين وملثمين لترهيب الشهود.
كما لفتت إلى أن شرطة مكافحة الإرهاب كلفت بالتحقيق في اتهامات بأن شهودا ومدعين في قضية لتمويل الإرهاب تعرضوا للترهيب من قبل مسؤولين في دولة قطر، حسب ما أُبلغت المحكمة العليا البريطانية.
وظهرت اتهامات عرقلة مسار العدالة خلال جلسة محاكمة في لندن، في قضية تتعلق بدعاوى مطالبات تعويض قدمها في البداية 8 لاجئين سوريين ضد “بنك الدوحة”.
وقال المحامي بن إمرسون، الذي يمثل 4 من المطالبين السوريين للمحكمة العليا البريطانية، إن التدخل في العدالة اتخذ شكل “الملاحقة والترهيب والضغط والمراقبة السرية غير القانونية في الخارج، والتهديد بالزيارات من قبل رجال مسلحين وملثمين أثناء الليل، ومحاولة رشوة وإغراءات مادية”.
ويقول المدعون إنهم فروا إلى هولندا بعد أن دمرت “جبهة النصرة” (جماعة إرهابية تسيطر على أجزاء من شمالي سوريا)، حياتهم ومنازلهم، وإنهم يقاضون البنك لأنه استخدم لتحويل الأموال إلى الجماعة الإرهابية، المحظورة في المملكة المتحدة.
وتخضع عدة بنوك قطرية لتحقيقات من السلطات البريطانية منذ العام الماضي، لاتهامها بالتورط في عمليات تحويل أموال لجماعات ومنظمات إرهابية.
وفي أغسطس/آب 2019، كشفت صحيفة “تايمز” البريطانية أن بنك الدوحة يواجه اتهامات بتحويل أموال إلى جماعة إرهابية في سوريا، وفقا لدعوى قضائية تنظر أمام المحكمة العليا في لندن رفعها 8 لاجئين سوريين.
وفي الشهر نفسه، كشفت الصحيفة ذاتها عن تقديم بنك بريطاني مملوك لقطر خدمات مالية لمنظمات إنجليزية عديدة مرتبطة بمتطرفين، فيما جرى تجميد حسابات بعض عملاء مصرف الريان القطري خلال حملة أمنية.
وبينت أن بنك الريان يقدّم خدمات مصرفية لنحو 15 منظمة إسلامية مثيرة للجدل، تشمل ما لا يقل عن أربع منظمات جُمّدت حساباتها أو أُغلقت في بنوك غربية.
أستراليا.. تحركات قضائية مرتقبة
ومن بريطانيا إلى أستراليا، حيث كشف محام أسترالي يدعى ولفغانغ بابيك أنه تم تكليفه للدفاع عن حقوق مسافرات أستراليات.
وكان بابيك على متن إحدى الطائرات التي أجبر الأمن القطري نساء مسافرات علة متنها، من بين 10 رحلات جوية بمطار حمد الدولي، على النزول من طائراتهن وتم تعريتهن قسرا، وإجبارهن على الخضوع لعمليات تفتيش وفحص طبي مهين ومذل، بعد العثور على رضيعة حديثة الولادة بالمطار.
ومن بين هؤلاء النساء 13 أسترالية، وهن من فضحن ما قامت به سلطات الدوحة من تفتيش مهين لهن ولغيرهن، وطالبن سلطات بلادهن باسترداد حقوقهن.
وعلى خلفية ضغوط أسترالية، اعترفت قطر بعد 26 يوما بالواقعة، مبررة تلك الإجراءات بأن الهدف منها الحيلولة دون فرار الجناة والمتورطين فيها ومغادرتهم الدولة.
وبعد أستراليا، كشفت بريطانيا ونيوزيلندا تعرض نساء من رعاياها للانتهاك “الجائر” نفسه في مطار حمد، وطالبتا بتحرك من سلطات قطر وبالتحقيق في الحادث المروع.
بدورها، هاجمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بشدة التصرف القطري، معتبرة أن ما تعرضت له الراكبات يرقى إلى مستوى “الاعتداء الجنسي”.
وفيما كان الضحايا يترقبون نتائج تحقيق الدوحة، أصدرت النيابة بيانا جديدا، بعد نحو شهرين على الجريمة، تضمن دفاعا واضحا عن المتهمين بتعرية النساء بمطار حمد، وتبريرا لما قاموا به، ما شكل صدمة جديدة للضحايا اللواتي يعانين حتى الآن من الصدمة النفسية جراء ما تعرضن له في قطر.
شكاوى أممية
وإضافة إلى المحاكم، لجأ الكثير من ضحايا قطر إلى الآليات الأممية والمنظمات الحقوقية، للشكوى من ممارسات النظام القطري.
من أبرز تلك القضايا، قضية الشيخ طلال بن عبدالعزيز بن أحمد بن علي آل ثاني، حفيد مؤسس قطر، التي تكشف مسلسل فضائح الدوحة في التنكيل بالمعارضة.
وعلى مدار الفترة الماضية، لم تتوقف أسماء ريان زوجة حفيد مؤسس قطر عن توجيه شكاوى ومناشدات للآليات الأممية للتعريف بقضية زوجه والمطالبة بإطلاق سراحه.
وناشدت أسماء ريان، خلال مقابلة مع “فوكس نيوز” الأمريكية 21 سبتمبر/أيلول الماضي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالضغط على السلطات القطرية، لإطلاق سراح زوجها الشيخ طلال آل ثاني المعتقل بسجون الحمدين، بعد تدهور صحته.
وقالت ريان، خلال مقابلة مع “فوكس نيوز” الأمريكية، إن زوجها “بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة وإلى محام يختاره بحرية، فقد حكم عليه تعسفيا بالسجن 22 عاما أثناء وجوده في السجن”.
وأضافت أن الشيخ طلال آل ثاني رهن الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، ويعاني ظروفا صحية صعبة جراء وجوده في منشأة مجهولة، وصحته تتدهور بسبب التعذيب وسوء المعاملة في السجن.
وأكدت ريان ومحاميها الأمريكي مارك سوموس أن نظام العدالة الغامض في قطر قام “بتلفيق قضايا لزوجها بدوافع سياسية”.
وأوضح سوموس للشبكة نفسها أنهم قدموا، بالإضافة إلى مجلس حقوق الإنسان، نداءات عاجلة إلى هيئات حقوق الإنسان الأخرى التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاء.
وعلاوة على الشيخ طلال، استهدفت انتهاكات الحمدين كل من يرفع صوته ويطالب بحقوقه.
والشهر الماضي، أعاد تقرير أعدته مؤسسة “ماعت” تسليط الضوء على انتهاكات النظام القطري ضد أبناء قبيلة الغفران.
وتمارس السلطات القطرية انتهاكات ممنهجة ضد أبناء قبيلة “الغفران” منذ عام 1996 وحتى الوقت الحاضر، تضمنت التهجير وإسقاط الجنسية والاعتقال والتعذيب وطرد أطفالهم من المدارس، وحرمانهم من التعليم ومنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والترحيل القسري وتهجير السكان على نطاق واسع، ما يعد جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي وانتهاك اتفاقية حقوق الطفل.
وفي وقت سابق، تقدم الحقوقي الليبي سراج سالم التاورغي بملف كامل حول تورط قطر وتركيا في دعم المليشيات والتنظيمات الإرهابية في بلاده إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، ضد ما يصفه بـ”مثلث الشر” في ليبيا.
يشار إلى تركيا وقطر وحكومة فايز السراج غير الشرعية بـ”مثلث الشر” في ليبيا؛ حيث تتهمان بدعم المليشيات الإرهابية.