شرق ليبيا يرفع سقف المطالب.. الحكومة تهدد بالحكم الذاتي
تنفتح الأزمة السياسية الليبية على فصل جديد من التعقيد بعد إعلان المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، والمجلس الأعلى للدولة عن تأسيس “الهيئة العليا للرئاسات”، في خطوة رفضتها الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، مشددة على عدم دستورية الهيئة، ملوحة بطرح خيار الحكم الذاتي في حال استمرار الأزمة.
وعلى الرغم من الأهداف المُعلنة للهيئة ومن بينها توحيد القرار والانسجام المؤسسي، فإن تأسيسها بحد ذاته دون توافق شامل، ومن غير أساس دستوري متفق عليه، يُنذِر بمزيد تفاقم الأزمة السياسية، خاصة مع رفض حكومة الشرق ومجلس النواب لها.
ويرى البعض أن الخطوة هي محاولة لتشكيل سلطة سيادية عليا تُسند القرار وتتجاوز دور مجلس النواب الذي يُفترض أنه السلطة التشريعية الوحيدة، والذي يمثل الخصم السياسي للحكومة المُؤسِسة للهيئة.
ويؤكد رد فعل الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أن الهيئة ستكون كيانًا موازياً جديدًا يضاف إلى الأجسام المتناحرة، ما يلقي بظلال قاتمة على المشهد السياسي في البلاد.
وقال حماد في بيان إن “الأحكام الدستورية الليبية لا تمنح أيا من الأجسام الثلاثة في غرب البلاد صلاحية إنشاء هيئة سيادية عليا”، معتبرا أن هذه الخطوة “تخرق النظام الدستوري، وتحدث اضطرابا في بنية الدولة، وتعيق المسار الانتخابي عبر افتعال أزمة خارج إطار القانون”.
وحذر من أن “استمرار العبث السياسي وتعطيل الانتخابات الرئاسية يدفع الشرق الليبي إلى طرح خيار الحكم الذاتي بشكل عاجل وواضح”، مؤكدا أن “إجراء الاستحقاقات الانتخابية هو السبيل الوحيد لإنهاء الانقسام السياسي وإعادة الشرعية للمؤسسات”.
وأكد أن حكومته تعتبر “الهيئة العليا للرئاسات” كيانا غير شرعي، داعيا المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بأي مخرجات أو ممثلين يصدرون عنها، وإلى دعم المسار الدستوري الذي ينظم توزيع السلطات في ليبيا.
وأعلن المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الأعلى للدولة الخميس تأسيس الهيئة العليا للرئاسات، مشيرا إلى أنها “ستكون إطارا تنسيقيا يشكل السلطة السيادية العليا في البلاد”.
وذكر بيان مشترك أن “الهيئة الجديدة سيعهد إليها تطوير منهجية موحدة لصنع القرار الوطني الليبي وتنسيق المواقف الرسمية في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية. كما تعمل على بلورة سياسات مشتركة تحفظ سيادة ليبيا ووحدة أراضيها واستقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي دون استحداث أي كيان إضافي أو أعباء هيكلية جديدة”.
وشدد الموقعون على البيان أن “تأسيس الهيئة يأتي استجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة ويجسد التزاماً بتجاوز الانقسامات والعمل بروح المسؤولية الوطنية”.
وترى مؤسسات الشرق أن الهيئة الجديدة هي محاولة من أطراف الغرب (طرابلس) لتثبيت مواقعها وتجاوز مجلس النواب وحكومته، وبالتالي التهميش السياسي لإقليم برقة.
ويعد خيار الحكم الذاتي (أو الفيدرالية في سياق ليبيا التاريخي) هو أقوى ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها المنطقة الشرقية. وفي حال تطبيقه يعني التقسيم الفعلي للبلاد إلى كيانات مستقلة إدارياً.
ويتمتع إقليم برقة بأهمية استراتيجية واقتصادية قصوى، حيث يضم معظم احتياطيات النفط والغاز وموانئ التصدير. ويرسل التلويح بالحكم الذاتي رسالة مفادها أن الشرق يملك وسيلة ضغط قوية لحرمان الحكومة المركزية في طرابلس من المصدر الرئيسي للتمويل.
وهي رسالة موجهة أيضاً للمجتمع الدولي بأن استمرار حالة العبث السياسي وتعطيل المسار الانتخابي هو الذي يدفع بالبلاد نحو هذا الخيار الذي لا يرغبه الجميع.
ويؤكد بيان حكومة الشرق على أن المخرج الوحيد لإنهاء الأزمة هو الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية. ما يضع خيار الحكم الذاتي كبديل مباشر لاستمرار الجمود السياسي وفشل الأطراف الرئيسية في الوصول إلى توافق يقود إلى صندوق الاقتراع.







