سياسة

بلا تغييرات في السياسة الخارجية… إيران تعيد ترتيب البيت السياسي


بدأت طهران اليوم الاثنين مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطم مروحية كانا على متنها في طريق العدوة من الحدود بين أذربيجان وإيران، في إعادة ترتيب البيت السياسي بتعيين كبير المفاوضين علي باقري وزيرا للخارجية ومحمد مخبر رئيسا لفترة 50 يوما حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في خطوة تأتي تناغما مع تصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي، أعلى مرجعية سياسية ودينية طمأن فيها أمس الأحد الايرانيين بأن تسيير شؤون الدولة، لن يتأثر بحادث تحطم المروحية. 

وبدا واضحا من خلال الإجراءات السريعة أن النظام الذي تهيمن عليه المؤسسة الدينية رتب مبكرا لإدارة الدولة وتحسب لمقتل رئيسي والوفد الحكومي المرافق له بمن فيهم عبداللهيان، حتى لا يترك فراغات أو شغورا في المناصب.

وكان خامنئي ترأس الأحد لأول مرة مجلس الأمن القومي بينما أنشأت السلطات خلية أزمة لترتيب الشأن السياسي والأمني من دون التطرق إلى أي تغييرات سياسية حفاظا على نسق ووتيرة عمل مؤسسات الدولة، بينما استندت تعيينات الاثنين إلى المادة 131 من الدستور الإيراني وهي التي تنظم اليات انتقال الحكم بسلاسة في حالة وفاة رئيس الدولة إلى جانب ترتيبات يجريها المرشد لتسيير المؤسسات في حالة شغور المناصب وهو من يتولى بنفسه التعيينات.

ويعد باقري (56 عاما) محسوبا على المحافظين المتشددين وهو مقرّب من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، والد زوجة شقيق باقري.

وبات المفاوض ذو اللحية التي غزاها الشيب معروفا في الأروقة الدبلوماسية لمباحثات العاصمة النمساوية بشأن الملف النووي الإيراني بأسلوبه الهادئ المتناقض تماما مع مواقفه الصلبة وقال في إحدى المرّات “في كل مرة يتدخل أجانب، تحت أي صيغة كانت يتعارض وجودهم مع أمن واستقرار المنطقة”.

ويملك الوزير الجديد بالوكالة خبرة طويلة في ملف إيران النووي، القضية التي كانت محور خلافات طهران مع القوى الكبرى وإسرائيل التي تشتبه بأن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية.

وأبرمت إيران اتفاقا نوويا تاريخيا في فيينا عام 2015 وافقت فيه على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب منه بعد ثلاث سنوات.

وبعدما وافقت إيران على اتفاق فيينا في عهد رئيسها المعتدل حسن روحاني، برز باقري كأحد أشد منتقديه، متهما الحكومة حينذاك بالانحناء للغرب.

وأشار إلى أن الاتفاق انتهك معظم “الخطوط الحمراء” التي وضعها خامنئي عبر فرضه قيودا ورقابة صارمة على البرنامج النووي الذي تقول إيران إنه لأغراض مدنية بحتة.

وبعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، اعتبر باقري أن روحاني “أعطى الغربيين الانطباع بأن إيران ضعيفة جدا”، لكنه لجأ لاحقا لاستخدام نبرة متشددة للدفاع عن جهود إيران الرامية لإعادة إحياء الاتفاق.

وقال العام الماضي إن معارضي هذه الجهود “يرغبون في الواقع بحرمان الجمهورية الإسلامية من مفتاح وأداة مهمة من أجل ضمان المصالح الوطنية”.

ولد باقري عام 1967 في منطقة كن بشمال غرب طهران، ونشأ في عائلة منخرطة إلى حد كبير في الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية.

كان والده، رجل الدين الشيعي محمد باقر، من الأعضاء الأوائل في مجلس خبراء القيادة في الجمهورية الإسلامية الموكل دستوريا انتخاب المرشد الأعلى والإشراف على عمله. أما عمه محمد رضا مهدوي كني، فتولى رئاسة مجلس الخبراء منذ العام 2011 حتى وفاته في 2014.

وعمل باقري في وزارة الخارجية في تسعينات القرن الماضي وتقرّب من المحافظ سعيد جليلي وعندما عُيّن جليلي أمينا لمجلس الأمن القومي وبات كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، تم تعيين باقري مساعدا له.

وبعد انتهاء مهامه في مجلس الأمن القومي، تولى باقري مهاما في السلطة القضائية التي كان يرأسها في حينه إبراهيم رئيسي. وشغل بداية منصب أمين لجنة حقوق الانسان، وبعدها عيّن مساعدا للشؤون الدولية.

وبعد أسابيع على تولي رئيسي السلطة في 2021، عُيّن باقري نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية وكبير المفاوضين في الملف النووي، لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود جراء خلافات على مسائل بدا حلها مستعصيا، خصوصا مع واشنطن.

ولا يتوقع أن يفضي مقتل رئيسي إلى تغيير في السياسة الخارجية لإيرن أو دورها في المنطقة، في وقت يراهن المحللون على نوع من الاستمرارية وخصوصا أن الإستراتيجية الإيرانية يحددها آية الله خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي.

وقال علي فايز المتخصص في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية “قد يظهر خليفة محافظ ومخلص للنظام تماما كرئيسي” وكتب على منصة إكس “بالنسبة للسياسة الخارجية فإن المرشد الأعلى والحرس الثوري سيحتفظان بالكلمة الفصل في القرارات الإستراتيجية” متوقعا “الاستمرارية أكثر من التغيير في فترة من عدم اليقين والرهانات الكبيرة أمام الولايات المتحدة وفي المنطقة”.

وأضاف أنه مع رئيسي “كان اتخاذ القرارات سلسا جدا لأنه كان خاضعا تماما للمرشد الأعلى”، موضحا أن “السؤال بالنسبة للمحافظين الإيرانيين هو إيجاد شخص ينتخب ولا يسبب لهم الكثير من المشاكل”.

وتوقع جيسون برودسكي الخبير في معهد الشرق الأوسط أن يبقى “الوضع الراهن على حاله” حول هذه النقطة وصرح لـ”بي بي سي” أن “الحرس الثوري يخضع للمرشد الأعلى ويقوم باتصالاته مع حزب الله والحوثيين وحماس والميليشيات الاخرى في المنطقة. وسيظل أسلوب العمل والاستراتيجية الكبرى للجمهورية الإسلامية على حالها”.

وكتب حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف أن “الخارجية الإيرانية لديها مسؤول جديد والأولوية نفسها: المفاوضات حول البرنامج النووي”.

وأضاف جيسون برودسكي “لن يتغير البرنامج النووي الإيراني وكذلك عملية صنع القرار المحيطة به لأن الملف النووي في النهاية بيد المرشد الأعلى والمجلس الأعلى للأمن القومي”.

والتغييرات إذا حدثت، ستكون على المدى الطويل وسيتجلى ذلك في الصراع على السلطة بين الحرس الثوري والملالي وفي رد فعل الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشارع بأعداد كبيرة عام 2022 ويتضررون من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وفي التأثيرات الخارجية والأحداث الإقليمية التي سترغم طهران على التكيف.

وذكر حسني عبيدي أن “رئيسي كان المرشد العتيد وكان يحظى بدعم جميع مكونات النظام”. وأضاف “لا يعاد خلط الاوراق في ايران بمقتل الرئيس الإيراني بل ما هو على المحك هو البحث عن المرشد الأعلى المقبل”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى