العقوبات الأميركية على قضاة الجنائية: صراع القانون والسياسة

فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء عقوبات على قاضيين ومدعين اثنين بالمحكمة الجنائية الدولية، في وقت تواصل فيه واشنطن ضغطها على المحكمة بسبب استهدافها لقادة إسرائيليين.
وذكرت وزارتا الخزانة والخارجية الأمريكيتان أن واشنطن حددت هؤلاء الأشخاص وهم نيكولا يان جيو من فرنسا، ونازهات شميم خان من فيجي، ومامي ماندياي نيانج من السنغال، وكيمبرلي بروست من كندا.
ويشغل الأربعة مناصب بارزة في المحكمة الجنائية الدولية، ويتولون أدوارًا رئيسية في عمليات التحقيق والتحضير للمحاكمات في قضايا تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتأتي هذه الخطوة في إطار حملة ضغط ممنهجة من جانب الإدارة الأميركية ضد المحكمة، التي تتهمها واشنطن بتسييس العدالة وتجاوز ولايتها القانونية.
وأصدر قضاة المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت والقيادي في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إبراهيم المصري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب غزة.
ورحب نتنياهو الأربعاء بقرار الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات إضافية على المحكمة الجنائية الدولية واعتبره “تحركا حاسما ضد حملة التشهير” بحق إسرائيل.
وقال في بيان أصدره مكتبه “أهنئ ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، بقراره بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. هذا هو فعل حاسم ضد حملة التشهير التي تستهدف دولة إسرائيل … من أجل الحقيقة والعدالة”.
وتعد هذه المرة الأولى التي تُصدر فيها المحكمة مذكرات توقيف ضد مسؤولين إسرائيليين بهذا المستوى، ما أثار غضب الولايات المتحدة ودفعها لاتخاذ إجراءات عقابية، باعتبار أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة ولا تعترف بصلاحياتها.
وجيو قاض في المحكمة الجنائية الدولية ترأس هيئة ما قبل المحاكمة التي أصدرت مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو. وخان ونيانج هما نائبا المدعي العام في المحكمة، في حين تشغل بروست منصبًا بارزًا ضمن الفريق القانوني الذي يعمل على تطوير استراتيجية الادعاء في عدد من القضايا الدولية.
تأتي هذه الخطوة بعد أقل من ثلاثة أشهر من اتخاذ الإدارة الأميركية خطوة غير مسبوقة بفرض عقوبات على أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، قائلة إنهم متورطون في “إجراءات غير مشروعة لا تقوم على أي أساس” من قبل المحكمة تستهدف واشنطن وحليفتها المقربة إسرائيل.
وتُعد هذه العقوبات جزءًا من نهج أكثر عدوانية تبنته إدارة ترامب في تعاطيها مع المؤسسات الدولية التي ترى أنها تُهدد السيادة الأميركية أو تتدخل في شؤون حلفائها الاستراتيجيين، وعلى رأسهم إسرائيل.
وانتقدت المحكمة هذه الخطوة في يونيو/حزيران ووصفتها بأنها محاولة لتقويض استقلال المؤسسة القضائية. كما دعت عدد من منظمات حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى الدفاع عن استقلال المحكمة وعدم السماح بتسييس العدالة الدولية.
وللمحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست عام 2002، ولاية قضائية دولية للمقاضاة في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في الدول الأعضاء أو في حال إحالة قضية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والولايات المتحدة والصين وروسيا وإسرائيل ليست من الدول الأعضاء في المحكمة.
وتجري المحكمة تحقيقات بارزة في جرائم حرب تتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس وحرب روسيا في أوكرانيا وكذلك في السودان وميانمار والفلبين وفنزويلا وأفغانستان. وتشارك فرق تحقيق دولية ومحامون متخصصون من عشرات الجنسيات في هذه التحقيقات التي تُعد معقدة من الناحية القانونية والفنية، ويستغرق بعضها سنوات قبل الوصول إلى مرحلة الاتهام.
وتجمد العقوبات أي أصول أميركية قد يمتلكها الأفراد، وتعزلهم فعلياً عن النظام المالي الأميركي، كما تمنع التعامل معهم أو تقديم أي خدمات مالية لهم داخل الولايات المتحدة أو عبر الشركات المرتبطة بها.