سياسة

الحوثيون يستحضرون روح القاضي الرقعة: مذبحة للقضاة وبناء حرس عقائدي جديد


بعد صراع سنوات، أحكم الحوثيون سيطرتهم المطلقة على القضاء غير المعترف به في شمال اليمن، وأصبح ذراعا أخرى ضمن أذرع الجماعة الانقلابية لإدارة مناطق نفوذها.

ومرر الحوثيون ما سمي بـ«مشروع تعديل قانون السلطة القضائية» عبر مجلس النواب غير المعترف به في صنعاء والذي صوت، أمس الأربعاء، على هذا القانون، الذي وصفه مراقبون بأنه «انفصال قضائي بطابع سياسي وطائفي تشبه ما عرف بإصلاحات نظام القضاء في إيران».

وكان زعيم الجماعة في صنعاء مجاهد أحمد عبدالله وهو عنصر فيما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» ونصب في أغسطس/آب الماضي وزيرا لوزارة مدمجة «العدل وحقوق الإنسان»، حمل هذا الفرمان إلى قبة برلمان المليشيات، بهدف «شرعنة عمليات ملاحقة وتخلص من المعارضين والمناهضين».

يأتي هذا القانون تأكيدا في تقارير سابقة من أن وزير عدل الحوثي يستعد لاستهداف شخصيات عدة داخل القضاء والسيطرة على كل أدواره، عبر إحلال حرس جديد من العقائديين استنادا لقاعدة معلومات شيدها بالتنسيق مع مخابرات المليشيات.

سر التوقيت

يكشف توقيت انقلاب مليشيات الحوثي داخل القضاء، صراع السلاليين في المؤسسات القضائية منذ حصولهم على حصة حفظ ماء الوجه لما يسمى «الملكيين»، بعد ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 وإرساء النظام الجمهوري.

ورغم التناحر المبكر، تمتع السلك القضائي بنوع من الاستقلالية إبان نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وكانت المحكمة العليا هي أعلى هيئة قضائية فيما يعد «مجلس القضاء الأعلى» الذي يعد ثاني هيئة إدارية قضائية.

ومنذ الانقلاب الحوثي أواخر 2014، حاولت مليشيات الحوثي التوغل في جميع مفاصل القضاء من الأعلى إلى الأدنى لكنه قوبل بمعارضة شديدة من الجناح السلالي بين صعدة وصنعاء فضلا عن سباق أذرع عائلة الحوثي نفسها “عبدالملك” وعمه “عبدالكريم” ونجل ابن عمه “محمد علي” للسيطرة على السلطة.

وظلت “المحكمة الجزائية المتخصصة” وفروعها في مناطق الانقلاب تتحرك بأمر زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، فيما شيد نجل عمه “محمد علي الحوثي” ما يسمى “المنظومة العدلية” منذ آخر 2020، كجهة عليا. وشيد عمه عبدالكريم الحوثي ذراعه الخاصة تحت مسمى “الشرطة القضائية” في العام التالي.

كما مرر الحوثيون عديد التعديلات منها عام 2021، ما يسمى “تسريع اجراءات التقاضي” واعتماد تحقيقات الشرطة لدى المحكمة دون إعادة تحقيق النيابات، وهي فرمانات حولت المحاكم إلى “محاكم عسكرية ومحاكم طوارئ”، وفقا لقضاة ومحامين.

أما الفرمان والتعديل الجديد، وفق محامين وقضاة وبرلمانيون في صنعاء فقد احتفظت عائلة الحوثي بكل الصلاحيات بعد أشبه بصفقة تسوية بين “عبدالملك”و “عبدالكريم” و”محمد علي”، والتي منحت زعيم الجماعة حق تعين رئيس لمجلس القضاء الأعلى بفرمان يتبنى صدوره شكليا مهدي المشاط رئيس كيان “المجلس السياسي”، وكذا صلاحيات تعيين أعضاء من خارج القضاء وبلا مؤهلات.

ويرى خبراء قانون، أن “الانقلاب الحوثي في القضاء يضرب عرض الحائط بقوانين امتثال اليمن وتطبيقها لالتزاماتها الدولية”، وشرعنة تحيل المؤسسات القضائية رسميا إلى جهاز أمني للاستمرار في مصادرة الأملاك والعقارات وملاحقة المعارضين بالاختطافات والإعدامات.

واحتوى فرمان الحوثي على بنود عدة؛ منها “إلغاء شرط المؤهل وإحلال حرس جديد من القضاة من طلاب معهد العلوم الشرعية ومن المرجعيات الدينية للجماعة بزعم حصولهم على “إيجازات شرعية”، بالإضافة لمعاقبة المحامي بدلا عن تأديبه ونزع صلاحيات كيان نقابة المحامين وتجميد ضمني لاحكام قانون المحاماة.

كما يُعد عهدا جديدا للقضاء في شمال اليمن وعودة “نظام القاضي الرقعة الذي كان في النظام الإمامي (أطيح به في ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962) واغتيال رسالة القضاء الواقف “المحاماة” وشرعنة للجبايات وإقصاء الشراكة حتى على مستوى الفضاء المدني الشكلي.

وكانت مليشيات الحوثي استبقت فرمانها الذي صدر بأمر زعيمها في صعدة، بإخضاع جميع أعضاء السلطة القضائية من رئيس مجلس القضاء الأعلى أحمد المتوكل إلى أصغر قاض لنحو 4 ورش طائفية مكثفة خاصة بغسل الأدمغة، إذ استمرت الورشة الواحدة لنحو أسبوع وذلك خلال شهري يوليو/ حزيران وأغسطس/ آب الماضيين.

كما جمع الحوثيون جميع أعضاء القضاء غير المعترف به، داخل جامع الصالح في صنعاء قبل أن يتم توزيعهم إلى عدة مجموعات، إذ شارك 40 قاض في كل مجموعة داخل غرف أرضية بمنشآت ومباني في صنعاء منها في حي حده قرب مقر جهاز المخابرات سابقا، وفقا لقضاة.

تنديد وتحذير

أثار فرمان مليشيات الحوثي تنديدا واسعا في الأوساط اليمنية ولا سيما بين القضاة والمحامين، فوصفه “نادي القضاة” و”نقابة المحامين” في صنعاء بأنه “انقلاب على المهن القانونية والقضائية”، فيما اعتبرته الرئاسة اليمنية “خطوة استفزازية” لتغير دستور البلاد تدريجيا.

وندد نادي قضاة اليمن بأشد العبارات فرمان مليشيات الحوثي واعتبره “مذبحة وانقلابا قضائيا يمس بحجية الحكم الدستوري وهو ما يعد جريمة مستقلة فضلا عن تهجم وتطاول بطريقة مملؤة بالسخرية والاستهزاء بالمكتسبات الوطنية”.

وأكد أن “الانقلاب القضائي طال كافة المهن القانونية والقضائية وعصف بقيم التماسك والتشارك والعدالة وقدمها قرباناً لاستعادة نظام القاضي الرقعة الذي كان في النظام الإمامي، ونسف رسالة القضاء الواقف المحاماة” واستهدف “التخلص من أي ضمانات شكلية حالت ولو لبرهة من زمن بينهم وبين أبناء الشعب”.

وانتقد البيان “دعاة الإنسانية والسلام في العالم والمبعوث الدولي”، معربا عن أسفه من أن يأتي هذا في ظل جهود أممية وإقليمية شجعت الجماعة على “هذا التمادي الهادف تشتيت جهود إحلال السلام وإهدار الحقوق والكرامة الإنسانية”.

نكسة تشريعية

أما نقابة المحامين اليمنيين، فوصفت الفرمان في بيان بـ”المشروع الكارثي ونكسة تشريعية تعكس رغبة جماعة الحوثي الجادة في تمزيق اللحمة الوطنية وتعميق مفاهيم الانفصال التشريعي على ارض الواقع”.

وأكد البيان أن الفرمان “يعكس رغبات فردية لإخضاع السلطة القضائية وتحويلها من سلطة مستقلة إلى هيئة تابعة للسلطة التنفيذية” في إشارة لتحولها كذراع أخرى ضمن أذرع زعيم المليشيات في إدارة الشأن العام.

في السياق، استنكرت الرئاسة اليمنية في بيان “الخطوة الاستفزازية الحوثية” وأكدت عدم “مشروعيتها كونها صادرة عن مليشيات إجرامية انقلابية لا تملك اي صفة قانونية على السلطة القضائية المستقلة المحمية بموجب الدستور، والتشريعات الوطنية والدولية”.

وأكد أن هدف مليشيات الحوثي من الاجراءات “تعزيز هيمنة فئة معينة من أتباعها على المؤسسات المغتصبة وفي المقدمة السلطة القضائية، من خلال حصر التعيين على خريجي الحوزات، والموالين لمشروعها الطائفي، وإقصاء رجال العدالة، والمحامين المدافعين عن الحقوق والحريات، واستبدالهم بوكلاء شريعة لتنفيذ أجندتها”.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى